١ - من أهم الانتقادات التي وُجِّهت للإستقراء التام عدم إمكانية تحقيقه لعدم القدرة على الإحاطة بكلّ الجزئيات وفي كلّ الأوقات. والواقع أن التشكيك في إمكانية وقوعه أمر مُبالَغ فيه، إذْ هو أمر ممكن وواقع، لكن ينبغي الإعتراف بأنه مع إمكانية تحقيقه، إلّا أن ذلك الإمكان يبقى محدودًا، وفي إطار ضيق. ومع ذلك فإن قِلَّة وقوعه لا تعني الإستغناء عنه كلية، أو التشكيك فيه.
وفضلًا عما سبق فإننا في مجال العلوم الشرعية نجد الوضع مختلفًا إلى حدٍّ ما عنه في العلوم الطبيعية، وذلك حسب التفصيل الآتي:
- إذا كان الاستقراء لنصوص القرآن الكريم فإن إمكانية الإحاطة بكل الجزئيات متحقق، لأن نصوص القرآن الكريم محدودة ومعلومة، ومن ثَمَّ يمكن تحقيق الاستقراء التام فيها.
- أما في نصوص السنّة النبوية المطهرة فإنه لا يمكن الجزم بهذا، لما في الإحاطة بجميع الأحاديث من صعوبة، خاصةً مع وجود أحاديث مُخْتَلَفٌ في صحتها ونسبتِها إلى الرسول، ومع عدم إمكانية الجزم بكون ما روي من أحاديث هو كلّ ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وربما كان هذا مدخلًا إلى الظن في دعوى الإحاطة بجميع الأحاديث الواردة في المسألة موضوع الاستقراء.
- أما استقراء العلل الشرعية فالإشكال فيه وارد بقوة، ولا يمكن الزعم بالإحاطة بكل العلل، كما أنه لا يمكن ادعاء عدم الخطأ في تحديد العلة، خاصة في العلل المستنبطة، فهي في ذاتها مظنونة، ولا يمكن الجزم بكونها هي علل الأحكام محلّ الاستقراء. أما إذا كانت جميع علل المسألة محلّ الاستقراء منصوصة، فإنه في هذه الحالة يمكن تحقيق الاستقراء التام.