للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

تعريف الاستقراء عند الشاطبي وبيان الأساس الذي يقوم عليه

أول شيء يُلفت نظر الباحث في موقف الشاطبي من الاستقراء ابتكاره لمصطلح "الاستقراء المعنوي"، هذا المصطلح الذي يحمل في طيّاته دلالة تختلف إلى حدّ ما عن مفهوم الاستقراء في المنطق الأرسطي.

تعريف الاستقراء المعنوي:

يعرف الشاطبي الاستقراء المعنوي بأنه "الذي لا يثبت بدليل خاص، بل بأدلة منضافٌ بعضُها إلى بعض، مختلفة الأغراض، بحيث ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة، على حَدِّ ما ثبت عند العامة جود حاتم، وشجاعة علي - رضي الله عنه -، وما أشبه ذلك. فلم يعتمد الناس في إثبات قصد الشارع في هذه القواعد [يعني القواعد الضرورية، والحاجية، والتحسينية] على دليل مخصوص، ولا على وجه مخصوص، بل حصل لهم ذلك من الظواهر والعمومات، والمطلقات والمقيدات، والجزئيات الخاصة، في أعيان مختلفة، ووقائع مختلفة، في كل باب من أبواب الفقه، وكل نوع من أنواعه، حتى أَلْفَوْا أدلة الشريعة كلها دائرة على الحفظ على تلك القواعد، هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من قرائن أحوال منقولة وغير منقولة". (١)

فالاستقراء المعنوي ليس استقراءً لأوصاف عرضية، ولا هو استقراء لذات الأدلة، جزئيةكانت أم كلية، وإنما هو استقراء لمقتضيات أدلة وردت بأشكال وصيغ مختلفة، لأغراض شتّى، وفي أبواب متفرقة، لكنها تشترك في معنى من العاني، يكمِّل كلٌّ منها الآخر فيه، ويسند كلٌّ منها ما سبقه من أدلة إلى أن يصل الناظر فيها إلى اليقين، والقطع بكون المعنى الذي اشتركت فيه هذه الأدلة مقصدًا من مقاصد الشارع.


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٣٩.

<<  <   >  >>