بعد استعراض مواقف كل من الفلاسفة والمناطقة، والشاطبي، ومحمد الطاهر ابن عاشور من الاستقراء، وكيفية حلّ مشكلة الاستقراء الناقص، وتسويغ نتيجته، يمكن تلخيص تصور مقترح لحل تلك المشكلة في النقاط الآتية:
١ - يبدو -كما سبقت الإشارة- أن سبب الحيرة في الموقف من نتيجة الاستقراء في الشرعيات ناتج عن الخلط في تكييف هذا النوع من الاستقراء وتصنيفه. وبيان ذلك أن الخطأ والخلط يقع عندما يُلْحَق الاستقراء في الشرعيات (الاستقراء المعنوي) بالاستقراء المنطقي والعلمي ويقاس عليهما، ويحتكم في تقييمه إلى القوانين التي تحكمهما. والأَوْلى أن يُلْحَق هذا النوع من الاستقراء بباب المرويات، فيحكم بقوانين الرواية، وذلك للأسباب الآتية:
أ - أن مادة هذا الاستقراء عبارة عن نصوص شرعية تحكمها قوانين الرواية.
ب - أننا في موضوع المقاصد نهدف إلى الكشفِ عن شيءٍ قصدَ إليه الشارع، وبثَّه في نصوصه، وذللث أمر قد تَمَّ في زمن مضى، ونحن نسعى إلى الكشف عنه.
ج - أن النصوص الشرعية التي تمثل مجال الاستقراء نصوصٌ تاريخية محدودة، بمعنى أنها قد وُضِعَت وانقطع المزيد عليها.
ولا يعني ما ذُكِر أننا سنهمل كلّ قوانين المبحث العلمي، ونُخْضِع الاستقراء المعنوي لقواعد المنهج التاريخي البحت، وإنما المراد أن تفسير نتيجة الاستقراء -بعد أن تتم عملية الاستقراء وفقًا للقواعد المنطقية والعلمية التي تحكمه- يكون طبقًا للقواعد التي تحكم مبادئ: الآحاد، والشهرة، والتواتر وما يتعلق بها من ظنية وقطعية. وربما كان هذا هو الأمر الذي جعل الشاطبي يقيس الاستقراء المعنوي على التواتر المعنوي، ويُخْضِعُه لقوانينه بدلًا من إخضاعه لقوانين الاستقراء المنطقي.
٢ - ينبغي التفريق بين نوعين من الاستقراء: الاستقراء الْمُنْصَبُّ على الأوصاف