العرضية، أو استقراء وجود حُكْم من الأحكام في عدد من الجزئيات المتماثلة، والاستقراء الذي يهدف إلى إثبات وجود معنى من المعاني أو قيمة من القيم. فالاستقراء الأول-وهو الاستقراء المنطقي أو العلمي- يُعْنَى بمستويين من المبحث:
النوع الأول: وجود الوصف أو الحكم موضوع الاستقراء، واتصافه بالعموم والكلية، وهو الذي يسمى نتيجة الاستقراء أو التعميم الإستقرائي، والثاني هو حصر الجزئيات والأفراد الداخلة تحت هذا الاستقراء، ثم التحقق من عدم شذوذ أيٍّ منها عن هذا الحكم العام. فحصر الجزئيات وإثبات انضوائها كلها تحت التعميم الإستقرائي يمثِّل الجانب الأساس في هذا التوع من الاستقراء.
أما النوع الثاني من الاستقراء الذي يمكن تسميته -جريًا على اصطلاح الشاطبي- بالاستقراء المعنوي فهو كذلك يُعنى بنفس المستويين، لكن مع اختلاف في الأولوية. فيكون الجانب الأساس فيه هو إثبات وجود معنى من المعاني واتصافه بالعموم، وليس من اللازم أن يكون ذلك العموم تامًّا بحيث يَسْلَم من الشذوذ والإستثناء مهما كان نوعه. أما المستوى الثاني من المبحث في هذا النوع من الاستقراء، وهو تتبع الجزئيات فالهدف منه هو الإستعانة بها في إثبات وجود المعنى موضوع الاستقراء وانتشاره فيها بما يعطيه صفة العموم، وليس من اللازم استقصاء جميع الجزئيات الموجودة والمتوقع وجودها، وإنما يكفي أن نُثبت أن معنى من المعاني أو قيمة من القيم مقصودٌ للشارع، من خلال طلب الشارع تحصيله أو اجتنابه وإزالته، ومن خلال بَثِّ ذلك في عدد كبير من أحكامه وتصرفاته، فيكون المستوي الثاني خادمًا ومكملًا للمستوى الأول. وهذا الذي ينبغي أن يُفْهَم من الاستقراء المعنوي، وهو الفارق بين الاستقراء المعنوي المستعمل في العلوم الشرعية والاستقراء المنطقي والعلمي.
ومما يدعم هذا ما أشار إليه الشاطبي عند حديثه عن مجيء نص على جزئي مخالف للقاعدة الكلية المستفادة بالاستقراء والموقف من ذلك، وقد مَثَّل لذلك بما دلّ عليه الاستقراء من أن الشريعة جاءت بحفظ الضروريات، فبيّن أن الذي ثبت