للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

مجالات استخدام الاستقراء عند ابن عاشور

لقد سعى الإمام محمد الطاهر بن عاشور إلى الإلتزام بالمنهج الإستقرائي في محاولاته التي قام بها للتعرف على مقاصد الشارع الحكيم في كتابيه: مقاصد الشريعة الإِسلامية، وأصول النظام الإجتماعي في الإِسلام، (١) سواء في ذلك المقاصد الكلية والعامة، أو المقاصد الخاصة. ولكنه لا يصرح عادة بنوع الاستقراء الذي اعتمده في كل مسألة: هل يلتزم الاستقراء التام، أم أنه يكتفي بالاستقراء الناقص؟ والراجح أنه يكتفي في كثير من تلك المسائل باستقراء أغلب تصرفات الشريعة ونصوصها وأحكامها، أي الإكتفاء بالاستقراء الناقص، بناء على أن استقراء كثير من الأدلة -بالشروط التي سبق ذكرها- يمكن أن يفيد اليقين عنده. وقد استقرى الباحث أهم المواطن التي صرح فيها ابن عاشور بتطبيق المنهج الإستقرائي في الكشف عن مقاصد

الشارع، وفيما يأتي جملة منها:

١ - عدمُ انْبِنَاءِ المقاصد الشرعية على الأوهام والتخيلات: فمن خلال استقراء موارد الشريعة وتصرفاتها تبيّن عدم التفات الشريعة إلى الأوهام والتخيلات، وأمرُهَا بنبذها والبعد عنها، ومن ثَمَّ عدم انْبِنَاءِ المقاصد عليها، وفي ذلك يقول: "ثم إننا استقرينا الشريعة فوجدناها لا تراعي الأوهام والتخيلات وتأمر بنبذها، فعلمنا أن البناء على الأوهام مرفوض في الشريعة إلَّا عند الضرورة، فقضينا بأن الأوهام غير صالحة لأن تكون مقاصد شرعية". (٢)

٢ - إثبات مقصد السماحة: وقد بدأ ابن عاشور بتحديد مفهوم السماحة، لأن تحديد المفهوم يمثل أساس الاستقراء، خاصة من حيث تحديد نوع الأدلة والجزئيات التي سيشملها الاستقراء، فعرَّف السماحة بأنها: "سهولة المعاملة في اعتدال، فهي وسط بين التضييق والتساهل، وهي راجعة إلى معنى الإعتدال والعدل والتوسط" (٣).


(١) ينبغي التنبيه إلى أن ابن عاشور قد استخدم المنهج الإستقرائي في الإستدلال في مؤلفاته الأخرى، ومن ذلك ما جاء في تفسيره التحرير والتنوير، في حصر مراتب المتشابهات في القرآن الكريم، ج ٣، ص ١٥٨ - ١٦٠، وحصر مواقع التزيين المذموم، ج ٢، ص ٢٩٥.
(٢) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الاسلامية، ص ١٧٤.
(٣) المصدر السابق، ص ١٨٤.

<<  <   >  >>