للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التخوف التنقص (١) فقال عمر: وهل تعرف العرب ذلك في كلامها؟ قال: نعم. قال أبو كبير الهذلي، يصف ناقة تنقّص السيرُ سنامها بعد تَمْكِهِ واكتنازه:

تَخَوَّفَ الرَّجُل منها تَامِكًا قَرِدًا ... كما تَخَوَّف عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (٢)

فقال عمر: "أيها الناس عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم". (٣)

المطلب الثاني

المخاطِب (المتكلّم)

يمثل المخاطِب العنصر الثاني من العناصر المتحكمة في فهم الخطاب، فهو الذي يتحكّم إلى حدّ كبير في مدى وضوح خطابه أو غموضه، وذلك من خلال جوانب أربعة:

أولها: قدرة المخاطِب على التعبير عمّا يريد تبليغه للمخاطَبين، فالمتكلمون يتفاوتون في مدى القدرة على البيان، وتضمين الخطاب ما يحتاجه السامع من علامات مساعدة على تحديد المقصود منه، فعلى قدر تمكّن المخاطِب من ناصية اللغة يكون بيانُه، ومن هنا وُصِفَ بعض المتكلّمين بالفصاحة والبلاغة. وهذا العنصر متوفِّر بكماله في كلًّ من النصوص القرآنية والحديثية. فالقرآن الكريم هو المعيار في اللغة، ويكفيه أنه أعجز العرب عن الإتيان بمثله، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب، وقد أُوتِيَ جوامع الكَلِم.

وثانيها: نوع الألفاظ التي يختارها المخاطِب، فالألفاظ تتفاوت في مدى وضوحها


(١) فيكون معنى الآية: يأخذهم على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى يهلكهم جميعا. انظر القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن، (طهران: انتشارات ناصر خسرو، تصويرا عن الطبعة الثالثة لدار الكتب المصرية، د. ط، د. ت)، ج ١٠، ص ١١٠.
(٢) التامك: السنام المرتفع لامتلائه ماءً، وقَرِد: كثير القراد، والنبعة: شجرة من أشجار الجبال يتخذ منها القسي، والسَفَن: المِبْرَد.
(٣) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ١٠، ص ١١١.

<<  <   >  >>