للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدءًا من أعلى رتبة وهي النص إلى أدناها وهو المتشابه، (١) وبينهما الظاهر والخفي، والمشكل، والمجمل. فكلّما تحرّى المخاطِب الألفاظ التي دلالتها أكثر وضوحًا كان إدراك المقصود من خطابه أيسر, وبالعكس. ولكن -كما سبقت الإشارة- فإنه لمّا كانت معظم نصوص اللغة العربية محتملة، وكان النص (بمعناه الأصولي) فيها عزيزا، فإنه مهما تحرّى المخاطِب الوضوح في الألفاظ فإنه لا يمكن التخلص من عنصر الإحتمال.

وبالنسبة لهذا العنصر, فمع أن النصوص الشرعية لم تَقْصِد إلى الإغراب في الكلام، إلّا أن طبيعة اللغة ذاتها من جهة، وورود ألفاظ القرآن الكريم على لغةِ أكثرَ من قبيلة من قبائل العرب من جهة ثانية جعل ألفاظه لا تخلو مما قد يُشْكِل معناه على بعض أصحاب اللغة أنفسهم، مثل ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في لفظ "الأبّ" في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)} [عبس: ٣١] (٢)، و"التخوّف" في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)} [النحل: ٤٧] (٣).

وقد تنشأ الغرابة من نقل اللفظ من معناه اللغوي إلى معنى شرعيّ، فيصير اللفظ مُجمَلاً يحتاج إلى بيان من قِبَل الشارع نفسه، كما هو الحال في ألفاظ الصلاة، والزكاة، والحج، وغيرها.

وثالثها: إرادة المخاطِب، فمع أن الأصل في المخاطِب أن يسعى قدر الإمكان إلى إفهام المخاطَبين بأن يكون معنى كلامه محدّدًا، إلّا أنه قد يقصد أحيانًا إلى استعمال بعض الألفاظ المبهمة التي يتعذر إدراك حقيقة معناها، أو بعض الألفاظ المحتملة لأكثر من معنى لحكمة يريدها الشارع.

ومثال الأول ما ورد في القرآن الكريم من ألفاظ متشابهة في مجال العقيدة بغرض اختبار إيمان المخاطبين، وذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ


(١) اللفظ المتشابه هو: "اسم لما انقطع رجاء معرفة المراد منه لمن اشتبه عليه". السرخسي: أصول السرخسي، ج ١، ص ١٦٩.
(٢) انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ١٩، ص ٢٢٣.
(٣) انظر المصدر السابق، ج ١٠، ص ١١٠.

<<  <   >  >>