للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث

حَلُّ الإمام الشاطبي لمشكلة الاستقراء الناقص

المراد بمشكلة الاستقراء الناقص -كما سبق الإشارة إليه- هي أننا إذا أعطينا أوصاف الكلية والعموم والقطع لنتيجة الاستقراء الناقص، فإن ذلك يقتضي الجزم بعدم وجود أي مخالف لها أو شاذ عنها، والتحقق من ذلك أمر غير ممكن، كما أن هذا الشذوذ والإستثناء واقع فعلًا في القواعد الشرعية الكلية.

وقد قرر الشاطبي -نفسه- أن تخلف بعض الجزئيات قد يؤدي إلى الشّكّ في الكليات، ذلك أن الكلي إنما يُؤخذ من الجزئيات، فإذا خالف الكليُّ الجزئيَّ دلَّ على أن ذلك الكلي لم يتحقق العلم به، أي أن نتيجة هذا الاستقراء لا تكون قطعية؛ "لإمكان أن يتضمن ذلك الجزئي جزءًا من الكلي لم يأخذه المعتبر [المستقرئ] جزءًا منه". (١) ولحل هذا يقترح الشاطبي منهجًا تكامليًّا في التعامل مع الكليات والجزئيات يقوم على اعتبار خصوص الجزئيات مع اعتبار كلياتها، وبالعكس، وتكون النتيجة اعتبارهما معًا في كل مسألة والسعي إلى الجمع في النظر بينهما. (٢)

وقبل الحديث عن عناصر الحلّ الذي قدمه الشاطبي لمشكلة الاستقراء الناقص، ينبغي بيان موقفه من مبدأ الإطراد بوصفه أَحَدَ أهمِّ الأسس التي يقوم عليها تفسير نيتجة الاستقراء.

موقف الإمام الشاطبي من قانون الإطراد:

لقد أثبت الشاطبي قانون الإطراد في الكون وفيما يُبنى عليه من عوائد الناس، وسماه باستقرار عوائد المكلفين وجريان الوجود على ترتيبه. وقد استدلَ الشاطبي على سريان قانون الإطراد على أحوال الكون وعوائد المكلفين بالأدلة الآتية (٣):


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٦.
(٢) انظر المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٥ - ٦، وانظر أيضًا مج ١، ج ٢، ص ٤٧ - ٤٩.
(٣) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٢١٢ - ٢١٥.

<<  <   >  >>