للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١ - استقرار أحكام الشريعة الإِسلامية وتكاليفها، ووضعها "على وزان واحد، وعلى مقدار واحد، وعلى ترتيب واحد، لا اختلاف فيه بحسب متقدم ولا متأخر". (١) فكونها بهذه الصورة دليل على استقرار موضوعات التكليف، وهي أفعال المكلفين وعوائدهم، وأفعال المكلفين لا تكون مستقرة مطردة إلّا إذا كان الكون باقيًّا على ترتيبه، أي سائرًا على قانون الإطراد. ويدلّ على صحة هذا البرهان امتناع عكسه، أي أنه لو حديث تغيُّرُ في ترتيب الكون لأدى ذلك إلى حدوث مثله في عوائد الناس المبنية على ذلك، ولأدى ذلك إلى تغيير التشريع واختلافه، وهو باطل، فما أدى إليه فهو كذلك.

٢ - ما جاء من إخبارالشارع بأن أحوال هذا الوجود دائمة غير مختلفة إلى قيام الساعة، من أمثال قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الروم: ٣٠]، وقوله: {سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (٦٢)} [الأحزاب: ٦٢]، وقوله: {سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (٢٣)} [الفتح: ٢٣]، وقوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا (٤٣)} [فاطر: ٤٣]، وقوله: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧)} [الإسراء: ٧٧].

٣ - المعجزات: إِذْ لَمَّا كانت المعجزة فعلًا خارقًا للعادة، دلَّ ذلك على اطراد العادات في الحال والاستقبال كما اطردت في الماضي؛ ذلك أن الفعل الخارق للعادة لا يمكن أن يحصل إلّا إذا تقرر اطراد عادات الكون وسننه، إذْ لو لم تكن سنن الكون سائرة على اطراد لكانت المعجزة واحدة من الإختلالات الواقعة لتلك السنن، فلم يبق للمعجزة معنى.

ومع أن الشاطبي يرى أن سير الكون على قانون الإطراد أمر قطي غير ظني، إلَّا أنه احترز مما قد يورد عليه من طعون بالتصريح بأن ذلك إنما يجري في الكليات لا في خصوص الجزئيات، وهو احتراز مما وقع ويمكن أن يقع من معجزات وخوارق. ومع


(١) المصدر السابق، مج ١، ج ٢، ص ٢١٣.

<<  <   >  >>