للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الرابع

استخلاص المقاصد من خلال معرفة علل الأحكام الشرعية

[تمهيد]

جعل الإمام الشاطبي الجهة الثانية من الجهات التي تُعرف بها مقاصد الشارع اعتبار علل الأحكام، (١) حيث إنه إذا ثبت أن الشارع قد شرع حكمًا لعلة من العلل وربطه بها وجودًا وعدماً فإنه يفهم من ذلك أنه قاصد إلى اعتبار ذلك الحكم في كل- واقعة توفرت فيها تلك العلة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يمكن أن تُتّخَذَ الطرقُ التي تعرف بها العلة (مسالك العلة) مسالك للتعرف على المقاصد الشرعية. ولكن عند النظر في تلك المسالك يتبيّن أنها لا تصلح جميعها لأن تكون مسالك للكشف عن مقاصد الشريعة، والبعض منها يصلح أن يكون كاشفًا عن المقاصد الشرعية لكن بطريقة في الإستدلال تختلف عن تلك المسلوكة في الكشف عن العلة. ومردّ ذلك إلى ما بين العلل والمقاصد من أوجه التشابه والإختلاف، فحيث تتشابه العلة مع المقصد؛ أي حينما تكون العلة هي نفسها الحِكْمة المقصودة من تشريع الحُكم تستوي المسالك، وحيث تكون العلة مجرّد وصف ظاهر منضبط ضابط لحِكْمة أو مظنّة لها فإن المسالك تختلف، أو على الأقل تختلف طريقة الإستدلال ببعض المسالك. وقبل الحديث عن تلك المسالك ومدى إمكانية الإستدلال بها على المقاصد يستحسن الحديث بإيجاز عن فكرة تعليل الأحكام ذاتها وعلاقتها بالكشف عن المقاصد. وبناء على ذلك سيكون هذا الفصل في مبحثين: الأول منهما في تعليل الأحكام الشرعية وعلاقته بالكشف عن مقاصد الشارع، والثاني في مسالك العلة ووظيفتها في الكشف عن مقاصد الشارع.


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٢٩٩.

<<  <   >  >>