للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه. (١)

فلا يمكن أن يؤخذ من اللفظ معنى إلّا إذا كان ذلك المعنى مستعملاً عند العرب في مثل ذلك اللفظ. وقد مَثّل الشاطبي لذلك بقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]. فتفسير السُّكر بالسُّكر الحقيقي أو سُكْر النوم مقبول، لأن اللفظ مُسْتَعْمَل عند العرب في كليهما: في الأول بالحقيقة، وفي الثاني بالمجاز, أما لو فُسِّر على أنه سُكْر الغفلة والشهوة وحُبّ الدنيا لم يكن هذا التفسير مقبولا، وكذلك لو فُسِّر لفظ الجنابة هنا بالتدنس بالذنوب، ولفظ الإغتسال بالتوبة، فهو غير معتبر؛ "لأن العرب لم تستعمل مثله في مثل هذا الموضع ولا عهد لها به" (٢) والقرآن أنزل بلسان

العرب.

وتتضح أهمية معرفة أساليب العرب في الخطاب في الإستعانة بذلك في الترجيح بين الإحتمالات الواردة في معنى نص من النصوص، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: ١١]. فعطف {وَلَا نِسَاءٌ} على {قَوْمٌ} يحتمل أن يكون عطفَ مباين، أو عطفَ خاص على عامّ. وقد دعّم من رجّح كونه عطفَ مباين -أي كون "قوم" هنا خاصة بالرجال- مذهبه بقول زهير بن أبي سلمى:

وما أدري وسوف إِخَالُ أدري ... أَقَوْمٌ آل حِصْن أم نساء (٣)

وكذلك في بيان ما قد يشكل من ألفاظ، ومن ذلك أنه لما أشكل على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - معنى "التخوّف" في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: ٤٧]، سأل الحضور من أهل اللسان فأجابه شيخ من هذيل قائلاً: هذه لغتنا،


(١) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ٢٩٥.
(٢) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، مج ٢، ج ٣، ص ٤٠.
(٣) ديوان زهير بن أبي سلمى، (بيروت: دار صادر، د. ط، د. ت)، ص ١٢؛ وانظر الزمخشري، محمود بن عمر: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، د. ط، د. ت)، ج ٣، ص ٥٦٥.

<<  <   >  >>