للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إذا كان الاستقراء مبنيًّا على أدلة كثيرة، لكنها إما كلها جزئي، أو أغلبها كذلك، وما كان منها متصفًا بصفة العموم والكلية لم يكن قطعي النقل، أي حديث آحاد، فإن هذا النوع من الاستقراء يُثْمِر نتيجة ظنية لكنها قريبة من القطعي.

وقد مثَّل ابن عاشور لهذا النوع من الاستقراء بما أورده الشاطبي من أن من مقاصد الشارع منع الضرر ودفعه، استنادًا إلى استقراء ما ورد في القرآن الكريم من آيات تنهى عن الضرر مثل قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١]، وقوله: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦]، وقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: ٢٣٣]، وغيرها، وما ورد في السنّة من أحاديث أبرزها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (١) ومنها النصوص الواردة في السنّة عن التعدي على النفوس، والأموال، والأعراض، وعن الغصب، والظلم، وكل ما هو في معنى إضرار وضرار فهذه الأدلة، وإن كانت كثيرة إلَّا أنها أدلة جزئية، والدليل العام منها، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" هو خبر آحاد، وليس بقطعي النقل عن الشارع. (٢)

ولكن الملاحظ أن الشاطبي -وفي هذا المثال بالذات- يفهم من كلامه أنَّ مثل هذا النوع من الاستقراء يفيد القطع، إذْ يرى أن "الضرر مبثوث منعه في الشريعة كلها، في وقائع جزئيات وقواعد كليات ... فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك". (٣)


(١) سبق تخريجه.
(٢) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٦٠ - ١٦١.
(٣) الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ١٢.

<<  <   >  >>