٢ - ومن الإعتراضات التي يمكن أن توجه إلى الاستقراء التام في العلوم الشرعية، أنه مع إمكانية تحقيقه في افصوص والوقائع التي وردت إلينا من طريق الروايات الصحيحة، إلّا أن الوقائع المستجدة تبقى غير مشمولة بالاستقراء لأن الاستقراء إنما تَمَّ لجزئيات نَصَّ عليها الشارع، أو وُجدت في زمن التشريع فقط.
ويُردّ على هذا بأن الكليات والعمومات التي تخلص إلى أن الشارع الحكيم قد قررها مقاصدَ له عن طريق الاستقراء قد ثبتت؛ لأن مرادنا من الاستقراء هو الكشف عن اعتبار الشارع لتلك المقاصد، وليس مدى تحقيق المجتهد لذلك فيما يَجِدُّ من حوادث. وما يدلّ على اعتبار الشارع قد تَمَّ وانتهى بانتهاء عصر التشريع، أما مدى مراعاة المقاصد فيما يَجِدُّ من وقائَع وأحداث فهو من عمل المجتهد لا مِنْ عمل الشارع، فإذا وُجِد فيها ما ينقض القواعد العامة بمخالفت ٥ مقاصدَ الشارع، فإن ذلك لا يُعدُّ نقضًا للإستقراء والقاعدة العامة، وإنما يُعدُّ خطأً من المجتهد.
٣ - أما فيما يتعلق بالطعن في الاستقراء التام بكونه غير مُجْدٍ، فقد تَمَّ بيان فوائد الاستقراء التام عند الحديث عنه سابقًا، وفضلًا عن ذلك فإنه يمكن القول بأن ما يوصف به الاستقراء التام من عدم الجدوى، وأنه لا يعدو أن يكون نوعًا من الإستنباط، إنما ينطبق على الاستقراء في مجال العلوم الطبيعية التجريبية، أما في العلوم الشرعية فإنَّا لا نهدف أصلًا إلى اكتشاف قوانين أو الوصول إلى اختراعات، وإنما نسعى إلى التأكد من أن حِكْمَةً من الحِكَم أو مقصدًا من المقاصد هو فعلًا مقصد للشارع، ثُمَّ التأكّد بعد ذلك من مدى مراعاة الشارع لذلك المقصد في مختلف أحكامه وتشريعاته، وهذه فائدة عظيمة في مجال العلوم الشرعية. ثم إن ما يذهب إليه البعض من إلحاق الاستقراء التام بالإستنباط بدل الاستقراء لا يُنْقِصُ من قيمة الإستدلال به، فضلًا عن أنها قضية اصطلاحية، ولا مشاحة في الإصطلاح.
دلالة القضايا الجزئية المكونة للإستقراء على التعميم الإستقرائي:
من الإعتراضات التي يمكن إيرادها على الاستقراء أنه إذا كانت نتيجة الاستقراء متضمَّنَة بكاملها في كل جزئية من الجزئيات المستقرأة، فإنه لا تبقى هناك