للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغرض سببًا في فعله أن يكون هو ناقصاً في فاعليته محتاجًا إلى حصول السبب. وقد أُجِيب بأن لزوم الإستفادة والإستكمال إذا كانت المنفعة راجعة إلى الفاعل، وأما إذا كانت راجعة للغير كالإحسان فلا". (١)

هذه خلاصة لآراء المتكلمين في مسألة تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه، وتحرير لمحل النزاع. فالكلُّ متَّفقٌ على رفض التعليل بالمعنى الفلسفي الذي يؤول إلى سلب الذّات الإلهية صفة الإرادة، والكل متَّفقٌ على أن أفعال الله تعالى -ومنها أحكامه- مشتملة على حِكَم ومقاصد وهو المعنى بالدرجة الأولى في هذا المبحث، وإنما الخلاف في أنها أتوصف بكونها أغراضاً وعللاً أم لا. فأثبت المعتزلة وصفها بذلك، وهو فرع قولهم بالتحسين والتقبيح الذاتيين، ورفض الأشاعرة ذلك مطلقاً، وتوسط الماتريدية فقالوا بأنها معللة، لكن تفضلاً من الله تعالى لا على الوجوب كما هو رأي المعتزلة.

وقد في ابن عاشور على الأشاعرة ما ينتج عن موقفهم من تناقض؛ حيث إنهم يسلمون بأن "أفعال الله تعالى لا تخلو عن الثمرة والحِكمة ويمنعون أن تكون تلك الحِكَم عللاً وأغراضاً مع أن ثمرة فعل الفاعل العالم بكل شيء لا تخلو من أن تكون غرضاً؛ لأنها تكون داعيّاً للفعل ضرورةَ تحقق علم الفاعل وإراداته". (٢) ووصف دليلهم على منع التعليل بأنه "يشتمل على مقدمتين سفسطائيتين: أولاهما قولهم إنه لو كان الفعل لغرض لَلَزِمَ أن يكون الفاعل مستكملاً به، وهذا سفسطة شُبِّه فيها الغرض النافع للفاعل بالغرض بمعنى الداعي إلى الفعل والراجع إلى ما يناسبه من الكمال لا توقف كماله عليه. الثانية قولهم إذا كان الفعل لغرض كان الغرض سببًا يقتضي عجز الفاعل، وهذا شُبِّه فيه السبب الذي هو بمعنى الباعث بالسبب الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العلم، وكلاهما يطلق عليه سبب". (٣)


(١) محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، ج ١، ص ٣٧٩ - ٣٨٠.
(٢) المصدر السابق، ج ١، ص ٣٨٠.
(٣) محمد الطاهر بن عاشور، ج ١، ص ٣٨٠.

<<  <   >  >>