للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(العلاقات السياقية بين كلمات النص)، والثاني تحديد "المعنى الدلالي" (١). ومهمة هذا المستوى من التعامل هي حصر معاني الألفاظ في أضيق نطاق ممكن بتقوية معنى أو أكثر من المعاني المعجمية لِلَّفْظِ، واستبعاد معنى للفظ هو وضعه في "مقال" صادر في ضوء "مقام". فالذي ينفي عن معناها التعدد هو فهمها في ضوء السياق الذي وردت فيه؛ لأن الكلام لا بُدَّ أن يحمل من القرائن المقالية (اللفظية)، والمقامية (الحالية) ما يعيّن معنًى واحدًا لكل كلمة. (٢)

وكذلك المعنى الوظيفي الذي تعبِّر عنه المباني الصرفية يتّسم -بطبعه- بالتعدد والاحتمال، فالمبنى الصرفي الواحد صالح لأن يُعَبِّر عن أكثر من معنى واحد ما دام غير متحقق بعلامةٍ ما في سياقٍ ما. فالمصدر مثلاً يمكن التعبير به عن عدة معاني: فهو ينوب عن الفعل مثل قولنا إكرامًا زيدا، أي أكرم زيدا، ويؤكد الفعل كأكرمته إكراما، ويبيّن سبب الفعل كأكرمته احتراما، وينوب عن اسم المفعول نحو قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: ١٨]، أي مكذوب، وينوب عن اسم الفاعل نحو قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)} [الملك: ٣٠]، أي غائرا، ويكون بمعنى الظرف نحو آتيك طلوع الشمس. وما تكون موصولة، ونافيّة، وكافّة، ومصدريّة ظرفيّة، واستفهاميّة، وتعجبيّة، وشرطيّة. (٣) والذي يحدد معنى المبنى الصرفي في النص هو القرائن اللفظية، والمعنوية، والحالية.

وبعد التعرف على المعنى المعجمي، والمعنى الوظيفي للكلمة يتكون لدينا المعنى اللفظي أو"معنى المقال"، ولكن الفهم الكامل للنص لا يمكن أن يتحقق إلّا بعد


(١) المعنى الدلالي (Semantic Meaning)، ويسمى أيضًا المعنى المقامي (Contextual Meaning): وهو معنى الكلمة في ضوء السياق الواردة فيه. انظر تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص ٣٩.
(٢) انظر في تقسيم القرائن إلى قرائن مقالية وحالية مثلاً: الجويني: البرهان، ج ١، ص ١٨٥ وما بعدها.
(٣) انظر في ذلك مثلًا ابن فارس، أبو الحسن أحمد: الصاحبي، تحقيق السيد أحمد صقر (القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، ١٩٧٧ م) , ص ٢٦٩ - ٢٧٢؛ والمالقي، أحمد بن عبد النور: رصف المباني في شرح حروف المعاني، تحقيق د. أحمد محمد الخراط، (دمشق: دار القلم، ط ٢، ١٤٠٥ هـ / ١٩٨٥ م)، ص ٣٧٧ - ٣٨٥)؛ وابن الحاجب، جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر: كتاب الكافية في النحو، (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٠٥ هـ / ١٩٨٥ م)، ج ٢، ص ١٩١ - ١٩٧.

<<  <   >  >>