للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبوية من تصريح بتعليل كثير من العبادات؟ (١)

وحل هذا الإشكال يكون في النقاط الآتية:

أولاً: التَّفريق بين مستويات التعليل:

بداية لابُدّ من التفريق بين ثلاثة أنواع من التعليل:

النوع الأول: التعليل الفلسفي الذي اشتهر بين الفلاسفة والمتكلمين بالعلة الغائية، وهو -كما سبقت الإشارة إليه في كلام ابن عاشور- مرفوض في أساسه من قِبَل كل علماء المسلمين. وحتى المعتزلة الذين شَطُّوا في عباراتهم بإيجاب فعل الأصلح على الله تعالى، والقول بوجوب التعليل، لم يقصدوا التعليل الفلسفي الذي يسلب الإرادة عن الذات الإلهية.

وينبغي التنبيه هنا على أن الذي دفع منكري التعليل -الأشاعرة على الخصوص- إلى موقفهم ذلك هو خوف الوقوع في هذا المحذور؛ لأنهم رأوا أن القول بالتعليل مدخل إلى الوقوع في القول بالعلة الغائية والقولِ بالتحسين والتقبيح الذاتيين.

النوع الثاني: التعليل بمعناه العام، وهو أن لكل حُكم من الأحكام الشرعية حِكْمة أو مقصد قصد الشارع إلى تحقيقه للناس من وراء ذلك الحُكم، وهذا النوع من التعليل يُعدّ فرعَ اتصاف الله تعالى بالحِكْمة واللطف والتنزّه عن العبث. وهذا هو النوع الذي يُحْمَل عليه قول القرطبي: إنه لا ينبغي أن يختلف فيه العقلاء، وهو الذي ادُّعيَ فيه الإجماع. ومعنى العلة هنا لا يقتصر على معناها الإصطلاحي عند الأصوليين، بل يُرَاد به المعنى العام الذي يشمل الحِكْمة والثمرة من تشريع الحُكم الشرعي وتطبيقه.


(١) انظر ما كتبه أحمد الريسوني حول كون القرآن الكريم والسنة النبوية قد وردا بتعليل كثير من العبادات، وأن الذين قالوا بأن الأصل في العبادات عدم التعليل قد عللوا هم أنفسهم كثيراً منها، وأن في هذا ما فيه من تشكيك في هذه القاعدة. انظر الريسوني، أحمد: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، (الرياض: الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، ط ٢، ١٤١٢ هـ/ ١٩٩٢ م)، ص ٢٠٧ - ٢٥٤.

<<  <   >  >>