للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطابه أو من تشريع حُكم من الأحكام، وأداة التنبيه في ذلك هي قرينة من القرائن، سواء كان ذلك حرف الفاء أو غيره.

فقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" (١) فيه إيماء إلى أن علة النهي عن القضاء في حال الغضب هي تشويش ذهن القاضي بما يؤدي إلى عدم سلامة الحُكْم الذي يصدره في تلك الحال، وهذا يدلّ على أن الشارع قاصد إلى دفع ما ينتج عن تشويش ذهن القاضي من فساد في الأحكام، وذلك بتوفير الظروف الملائمة -سواء كانت ذاتية أو موضوعية- لسلامة أحكام القاضي وعدالتها.

ومن الإيماء والتنبيه على المقصد الشرعي ذِكْر الحكم مقروناً بسببه مثل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩]، فإنه يفهم منه أن من مقاصد شرع القتال دفعُ الظلم الواقع على المؤمنين.

ومنه أن يأمر الشارع بالشيء مبيِّناً مصالحه، أو ينهى عنه مبيِّناً مفاسده، فيعلم أن جلب تلك المصلحة أو دفع تلك المفسدة من مقاصد الشارع. ومن أمثلة ذلك:

١ - قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: ٦٠]، فإرهاب الأعداء وصرفهم حتى عن مجرد التفكير في التعرض للإسلام والمسلمين مقصد شرعي من مقاصد الأمر بإعداد العُدّة والظهور بمظهر القوة؛ فيحقق ذلك للمسلمين غايتين: سيادة الإِسلام وأهله، ودفع الحرب المهلكة للنفوس المخربة للديار.

٢ - وقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨]، فتعظيم الرب سبحانه وتعالى وصون اسمه من التعرض لأي قبيح مقصد شرعي يجب المحافظة عليه ولو أدى ذلك إلى ترك التعرض لأي المشركين ومعتقداتهم. كما أن في هذه الآية تنبيه إلى أن دفع أعظم المفسدتين بالتجاوز عن أيسرهما مقصد من مقاصد الشارع.


(١) سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب (٤)، ج ٢، ص ٣٩.

<<  <   >  >>