للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسكتت السنّة عن كلّ ما عدا هذه الأربعة، (١) ومع ذلك اتفق أصحاب المذاهب الأربعة -ومنهم المانعون للزكاة في الخضراوات- على أن ما تجب فيه الزكاة معلّل وليس توقيفيّاً، بمعنى أنه وإن كان أداء الزكاة في نفسه عبادة فإن ما تجب فيه الزكاة من أصناف مُعلّل وخاضع للقياس، ولذلك نجدهم قد عَدَّوْا الحكم إلى أصناف أخرى غير الأربعة الواردة في السنّة، كلّ بحسب ما رآه علّة لإيجاب الزكاة. وكان الأحرى بالقائلين بعدم وجوب الزكاة في الخضروات لعدم النص عليها الإقتصار على الأصناف المذكورة، وجعل ذلك توقيفيّاً غير معلل، فالقول بتعليل هذا الحكم وتعديته إلى غير الأصناف المذكورة يفسح المجال لتعديته إلى كلّ ما هو مسكوت عنه بما في ذلك الخضروات إذا توفرت فيها العلة.

ونظير هذه المسألة مسألة الربا، فما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه أجرى فيه الربا محصور في الأصناف الستة الواردة في الأحاديث، ولم يثبت عنه أنه أجرى الربا في غيرها، ومع ذلك لم يَعُدّ جمهور العلماء ذلك حصراً للربا في تلك الأصناف، وإنما اعتبروه حكماً معلّلاً يتعدى إلى ما يشترك معها في العلة، كلّ على حسب العلّة التي علّل بها الحكم. (٢)

ويمكن التوفيق بين الحصر الوارد في السنّة وعموم ما ورد في القرآن الكريم من وجوب إخراج الزكاة في كلّ ما أخرجت الأرض، بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفرض في الخضروات الزكاة لعدم شيوعها وقلة شأنها في ذلك الوقت، وكون ما تنتجه لا يضل عادة إلى النصاب، فلذلك لم ينص عليه ضمن الأصناف التي تجب فيها الزكاة، أو يحمل على أنه إحالة لهم على عموم النصوص.


(١) لم يصح في زكاة الخضراوات حديث، وما ورد فيها لا يرقى إلى مرتبة الحسن، لكونها إما مراسيل، أو في إسنادها مجاهيل أو ضعفاء ومتروكين. انظر الشوكاني: نيل الأوطار، ج ٥، ص ١٤٢ - ١٤٤، وقد قال الترمذي: "وليس يصح في هذا الباب (زكاة الخضراوات) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء". سنن الترمذي، أبواب الزكاة، باب (١٣)، ج ٢، ص ٧٥، إثر الحديث (٦٣٨).
(٢) انظر ابن العربي: أحكام القرآن، ج ٢، ص ٧٥٢.

<<  <   >  >>