للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في طريق إثباتها، فهو لا يعترف بكونها قضايا عقلية مسبقة -كما يرى المذهب العقلي- كما أنه لا يري إمكانية إثباتها باستقراءات سابقة، فهي في رأيه غير ممكنة الإثبات، وتبتى مجرد قضايا احتمالية، ومن ثَمّ فما يُبنى عليها من استقراءات لا يمكن أن تثمر يقينا، وإنما تقتصر وظيفة الاستقراء على تقوية الإحتمال وترجيحه، فكلما زاد عدد الأفراد أو الحالات المستقرأة زادت نسبة احتمال الصدق في نتيجة الاستقراء. (١) وليس من اللازم عند أصحاب هذا الإتجاه أن يفيد الاستقراء القطع فـ "العلوم الطبيعية كلها قائمة على الترجيح لا اليقين". (٢)

الإتجاه الثالث ذو النزعة النفسية:

يعدّ دايفيد هيوم (David Hume) الرائد الأوهي لهذا الإتجاه الذي يعترف بكون علاقة العلة والمعلول هي الأساس الذي تُبنى عليه جميع الاستدلالات الخاصة بأمور الواقع، وهي علاقة يمكن أن تتعدى الحواس وتنبئنا بموجودات وأشياء لا نراها ولا نشعر بها. ولكنه يري في علاقة السببية بمفهومها العقلي -بوصفها علاقة ضرورة بين السبب والمسبَّب- قضية لا يمكن أن تطالها الخبرة الحسية، وكل ما يمكن أن تدركه الخبرة الحسية هو اقترانهما ببعضهما البعض واطراد ذلك الإقتران والتعاقب، أما علة ذلك الإقتران فإنها خارج إطار الحس والتجربة. ومن ثَمَّ يذهب إلى التسليم بعدم كون الإتفاق دائميًّا أو أغلبيًّا -كما هو الشأن عند أتباع المذهب العقلي- لكنه يرى أن مبرر ذلك ليس منطقيًّا، ولا هو معرفة عقلية قبلية، بل هو مبرر نفسي (سيكولوجي). فهو يرى أن فكرتنا عن العلاقة بين العلة والمعلول تعكس انطباعًا نفسيًّا ذاتيًا هو وليد عادة ذهنية ناتجة عمًا يشاهده الإنسان من تحرار الإقتران بين هذين الموضوعين، وهو بدوره يولِّد انطباعًا بفكرة الضرورة والحتمية، أي ضرورة حدوث المعلول بوجود علته. ومن ثَمَّ فإن هيوم يرى أن فكرتنا عن العلاقة بين العلة والمعلول لا تعكس الواقع الموضوعي، ولا هي آثار للبرهان العقلي، أي أنها لا تقوم على أساس قوانين الواقع الموضوعي. ولكنه مع هذا يعتقد بالقضايا التي نستدل عليها


(١) انظر محمد باقر الصدر: الأسس المنطقية للإستقراء، ص ٨٣.
(٢) زكي نجيب محمود: المنطق الوضعي، ج ٢، ص ٣٠١.

<<  <   >  >>