للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي تناوطم بالدراسة مسالك العلة، نجد الاستقراء حاضرًا، كما هو الحال في مسلك الدوران (الطرد والعكس) الذي هو تلازم الحكم والعلة وجودًا وعدما، (١) وهو أمر يحتاج في إثباته إلى الاستقراء، وهو من الاستقراء الناقص. وكما هو في مسلك السبر والتقسيم، إذ التقسيم هو استقراءُ أوصافِ الأصل وجمعها في جملة معينة. (٢)

والقواعد والضوابط الفقهية يقوم الجزء الأكبر منها على الاستقراء، إذْ نوعان: قواعد مقتبسة من النصوص الشرعية، مثل "لا ضرر ولا ضرار، (٣) و"الأمور بمقاصدها"، (٤) وهذا يمثل جزءًا يسيرًا من القواعد الفقهية، أما الجزء الأكبر فإنه مُستمدٌّ بطريق استقراء الفروع الفقهية الواردة في الباب الواحد لإستخراج قاعدة كلية أو أغلبية تنتظم تلك الفروع في عقد واحد، وتضبطها بضابط مشترك. (٥)

كما كان الاستقراء أحدَ الوسائل التي اعتمدها الفقهاء في أبواب كثيرة من الفقه الإِسلامي، كإحصاء أنواع المياه، وتحديد دماء الحيض والنفاس والإستحاضة، وتحديد أقصى مدة الحمل، والإستدلال على عدم فرضية صلاة الوتر، (٦) وغير ذلك.

وكان الاستقراء هو الوسيلة الأساسية التي اعتمدها علماء اللغة العربية في استخراج قواعدها وضوابطها، إذ استقصوا في سبيل ذلك معظم التراكيب العربية


(١) انظر الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج ٣، ص ٣٣٠.
(٢) انظر المصدر السابق، ج ٣، ص ٢٨٩ - ٢٩١.
(٣) مأخوذة من الحديث "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ". سنن ابن ماجة الحديث (٢٣٤٠) و (٢٣٤١).
(٤) مأخوذة من الحديث: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ". صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب (١)، مج ١، ج ١، ص ٣، الحديث (١).
(٥) انظر في ذلك مثلا: ابن نجيم، زين العابدين بن إبراهيم: الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٠٥ هـ/ ١٩٨٥ م)، ص ١٥؛ الكرابيسي، أسعد بن محمد بن الحسن: الفروق، تحقيق محمد طموم، (الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، ط ١، ١٤٠٢ هـ / ١٩٨٢ م)، ج ١، ص ٣٣.
(٦) انظر في الإستدلال بالاستقراء على عدم وجوب صلاة الوتر: أبو حامد الغزالي: المسمَّى، ج ١، ص ٥٥، حيث يقول عن الإستدلال بالاستقراء: "كقولنا في الوتر: ليس بفرض؛ لأنه يُؤدَّى على الراحلة، والفرض لا يُؤدَّى على الراحلة. فيقال: لِمَ قلتم إن الفرض لا يُؤدَّى على الراحلة؛ فيقال: عرفناه بالاستقراء، إذ رأينا القضاء والأداء والمنذور وسائر أصناف الفرائض لا تؤدى على الراحلة، فقلنا: إن كل فرض لا يُؤدَّى على الراحلة".

<<  <   >  >>