للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إشارة إلى ذلك، ففي رده على بعض الآثار التي قد يُفهم منها أن عِظَم الأجر مرتب على عِظَم المشقة لذاتها، وأنه يجوز للمكلَّف أن يقصد عظيم المشقة طلبًا لعظيم الأجر قال: "أولًا: هذه أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها استقراء قطعي، فالظنيات لا تعارض القطعيات". (١) فرده مبني على عنصرين: أحدهما كون تلك الآثار أخبار آحاد، والثاني كونها غير منتشرة، أي في قضية واحدة هي البعد عن المسجد والمشقة في التردد عليه. فكما أن العنصر الثاني عدَّه الشاطبي شرطًا في إفادة الاستقراء الناقص القطع، قد يُفهم كذلك من العنصر الأول اشتراط الشاطبي أن يكون -على الأقل- بعض الجزئيات المستقرأة قطعي الثبوت، كما فعل ابن عاشور فيما بعد.

قيمة نتيجة الاستقراء عند الشاطبي:

يرى الشاطبي أن التعميم الإستقرائي يكون كليًّا، (٢) جاريًّا مجرى العموم في

الأفراد، (٣) مفيدًا القطع. (٤)

أما كونه كليًّا فلأن تلقي العلم بالكلي إنما يحصل من استعراض الجزئيات واستقرائها، فالكلي -من حيث هو كلي- غير معلوم لنا قبل العلم بالجزئيات، إذْ ليس له وجود مستقل في الخارج، إنما هو مُضَمَّن في الجزئيات. (٥)

وأما كونه جاريًّا مجرى العموم في الأفراد، فلأنه لما كان مستنبطًا من تلك الجزئيات التي هي أدلة الأمر والنهي الواقعين على جميع المكلفين؛ صارت له قوة اقتضاء الوقوع في جميع الأفراد. فهو كلي في تعلقه، فيكون عامًّا في الأمر به والنهي عنه للجميع. (٦)


(١) المصدر السابق، مج ١، ج ٢، ص ١.
(٢) يرى أبو حامد الغزالي -وهو الرأي السائد عند المناطقة- أن الاستقراء الناقص لا يفيد علمًا كليًا، وفي ذلك يقول: "فإذًا لا ينتفع بالاستقراء مهما وقع خلاف في بعض الجزئيات، فلا يفيد الاستقراء علمًا كليًا بثبوت الحكم للمعنى الجامع للجزئيات، حتى يجعل ذلك مقدمة في قياس آخر، لا في إثبات الحكم لبعض الجزئيات". أبو حامد الغزالي: معيار العلم في فن المنطق، ص ١٥٢.
(٣) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ١، ص ٢٨.
(٤) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ١، ص ١٩ - ٢٠.
(٥) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٥ - ٦.
(٦) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ١، ص ٢٨.

<<  <   >  >>