للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خادما لبعض، ومخصصًا له، ولا يمكن اعتبار ذلك التخصيص الناتج عن التكامل طعنًا في عموم وقطعية تلك الكليات.

٢ - تخلف شرط أو وجود مانع لا يُعَدُّ خرقًا للكلي: يرى الشاطبي أن القول بأن الكليَّ ينخرم لتخلف جزئي ما صحيح على الجملة، لكن ذلك لا يكون بالنسبة إلى ذات الكلي والجزئي، وإنما بالنسبة إلى الأمور الخارجية، فكون جزئي من الجزئيات مَنَعَه مانع من جريان حقيقة الكلي فيه هو أمر خارجي، وليس راجعًا إلى الطعن في ذات الكلي أو الجزئي، إذْ لولا ذلك المانع الخارجي لأُلْحِقَ الفرعُ بكلِّيِّه ولَمَا خرج عنه. وقد مثَّل الشاطبي لذلك بقوله: "فالإنسان مثلًا يشتمل على الحيوانية بالذات وهي التحرك بالإرادة، وقد يفقد ذلك لأمر خارج من مرض أو مانع غيره، قال صحيح في نفسه، وكون جزئي من جزئياته منعَهُ مانعٌ من جريان حقيقة الكلي فيه أمر خارج". (١)

وهذا شبيه بما دفع به بعض الأصوليين مسألة النقض الوارد على العلل الشرعية، وهو المسمى بدفع النقض بإظهار مانع أو فوات شرط. (٢)

٣ - عدم معارضة الكلي إلّا بما يماثله: فالكلي لا يُعارَضُ إلّا بكلي مثله، ولما كانت المتخلفات الجزئية من القِلَّة والشذوذ بحيث لا يمكن أن ينتظم منها كلي يعارض ذلك الكلي الثابت، فإنها لا تقدح في كونه كليًّا. (٣) وربما اعتُرِض على هذا بأن تخلّف تلك الجزئيات وإن كان لا يُسْقِطُ الإستدلال بتلك الكليات على جزئياتها الأخرى، إلَّا أن القول ببقائها كليات بإطلاق غير مُسلَّم، بل إنها تنزل من مرتبة الكلي المطلق إلى مرتبة القاعدة الأغلبية أو الأكثرية. وهذا من قبيل اللفظ العام الذي يرى جمهور الأصوليين أن دلالته على ما تبقى من أفراده بعد ورود المخصص تصير ظنية. ولكن الشاطبي لا يوافق على هذا الإعتراض. (٤)


(١) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٩.
(٢) انظر في ذلك مثلًا: السبكي: الإبهاج في شرح المنهاج، ج ٣، ص ٧١؛ والزركشي: البحر المحيط، ج ٥، ص ٢٧٧ - ٢٧٨.
(٣) انظر الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٤١، ومج ٢، ج ٣، ص ١٩٤ - ١٩٥.
(٤) انظر المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٢١٥ - ٢١٦.

<<  <   >  >>