والشريعة في الحقيقة غير قاصدة إلى التعسير على الجاني ولا الإضرار به، وإنما هو الذي قصد إلى التعسير على نفسه، ورغب في ذلك بما جناه على نفسه من باب قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[يونس: ٢٣].
بل إن المتأمل في نظام العقوبات -سواء في الشريعة الإِسلامية أو في غيرها من الشرائع- يجد أنه إنما قُصِد به التيسير على الناس في حياتهم، بمنع ما يكدِّر صفوها، والضرب على يَدِ كلّ من يقصد إلى ذلك. فنظام العقوبات -إذاً- قصده الأسمى هو التيسير، والعبرة في الأمور بمقاصدها العليا، دون مراعاةٍ لما يعترض المسالك إليها من مشقة أو عسر ما دام مُحْتَمَلًا ودون المقصد الأعلى، فالضرر الأخف يحتمل في سبيل النفع الأعظم.
٣ - يجب التفريق بين كون الشارع قاصداً إلى التيسير وأنّ ذلك قد تَمَّ فيما نص عليه من أحدم، ومدى مراعاة المجتهد بعد ذلك لهذا المبدأ العام فيما يستنبطه من أحكام، فهو -أي المجتهد- يتلمَّس اكتشاف الظروف المناسبة والشروط اللازمة لتطبيق هذا المبدأ، فإذا أخطأ في التطبيق فإن ذلك لا يمكن أن يُعدّ طعناً في المبدأ الثابت.
مجالات الاستقراء:
يجد المتتبع لجوانب التيسير في القرآن الكريم والسنّة النبوية أنها من السّعة والشمول بحيث تغطّي جانبي العادات والعبادات، وأحكام الحياة الدنيا والآخرة، كما أنها تشمل أحدم الشارع وتصرفات المكلفين. وبناءً على ذلك سيتضمن الاستقراء المجالات الآتية:
١ - النصوص التي جاءت في وصف الشريعة باليسر.
٢ - النصوص التي جاءت في وصف الشريعة بالحنيفية والسماحة.
٣ - اتصاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتيسير.
٤ - التيسير على هذه الأمة برفع الأغلال التي وُضِعَت على الأمم السابقة.