للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلاقة بين المقصد والعلة:

أما العلاقة بين المقاصد والعلل، فإنه لَمَّا كانت العلة قد تكون هي نفسها الحِكْمة، وقد تكون مظنة تحقيقها، بأن تكون وصفًا ظاهرًا منضبطًا يُظن عنده وجودُ الحِكْمة المقصودة للشارع من شرع الحكم المرتب عليها، (١) فإن العلة إذا


(١) لابد من الإشارة هنا بشيء من التفصيل إلى العلاقة بين الحِكْمة والعلة، وهل يجوز التعليل بالحِكْمة أم لا؟
أما عن العلاقة بين العلة والحِكْمة فقد ذهب بعض الأصوليين وعلى رأسهم الشاطبي إلى أن العلل هي نفسها الحِكَم، حيث عرف العلة بقوله: "وأما العلة فالمراد بها الحِكَمُ والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي". (الموافقات، مج ١، ج ١، ص ١٩٦).
وأورد ابن قدامة في كتابه روضة الناظر وجنة المناظر أن العلة في اصطلاح الفقهاء تطلق على ثلاثة أشياء منها: الحِكْمة، أي حِكْمة الحُكْم، كقولهم المسافر يترخص لعلة المشقة. انظر ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي: روضة الناظر وعليه نزهة الخاطر العاطر، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، د. ت) ج ١، ص ١٥٩ - ١٦٠.
وذهب النقشواني إلى أن "العلة -في الحقيقة- الحِكْمة لكنها إنما تنضبط بمقاديرها وإنما يضبط ذلك الوصف، فكون الوصف علة في الشرع معناه أنه علامة للحكمة ودليل عليها، فالحِكْمة هي العلة الغائية الباعثة للفاعل، والوصف هو المعرف". نقلًا عن الرازي، فخر الدين: المحصول في علم أصول الفقه، دراسة وتحقيق طه جابر فياض العلواني، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ٢، ١٤١٢ هـ -/ ١٩٩٢ م)، ج ٥، ص ٢٩٤ "هامش".
وذهب جمهور الأصوليين إلى التفريق بين العلة والحِكْمة، ويكون الفرق كالآتي:
الحِكْمة هي المقصد من تشريع الحكم من تحقيق المصالح أو تكميلها، أو دفع المفاسد أو تقليلها، وقد تكون ظاهرة أو خفية، كما أنها قد تكون منضبطة وقد تكون غير منضبطة. أما العلة فهي الوصف الظاهر المنضبط المعرف للحكم، وهي التي ينبني عليها الحكم وجودا وعدما وتكون عادة مظنة تحقيق حكمة تشريع الحكم. غير أنه قد تتخلف الحِكْمة أحيانًا مع وجود العلة. وذلك مثل الشفعة فقد شرعت لحِكْمة، هي دفع الضرر عن الشفيع، وجُعِلَت علة ذلك هي الإشتراك في الملك، وقد يكون أحيانا الشريك الجديد أحسن دينا وأنفع للشفيع وبذلك تتخلف الحِكمة، لكن لما وُجِدَت العلة ثبتت الشفعة ولم يُنظر إلى الحِكْمة. (انظر الزحيلي، وهبة: أصول الفقه الإِسلامي، (دمشق: دار الفكر، ط ١، ١٩٨٦ م)، ج ١، ص ٦٥١.
أما عن جواز التعليل بالحِكمة فقد اختلف الأصوليون في ذلك على ثلاثة مذاهب: فذهب بعضهم إلى منع التعليل بالحِكْمة مطلقا، وذهب آخرون إلى الجواز مطلقا، وهو اختيار الرازي وتبعه عليه البيضاوي، وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا بجوار التعليل بالحِكْمة إذا كانت منضبطة غير مضطربة، ومنعوا التعليل بها إذا كانت مضطربة غير منضبطة أو كانت خفية، وهو اختيار الآمدي وصفي الدين الهندي. (انظر الرازي: المحصول، ج ٥، ص ٢٨٧ - ٢٩٣)؛ الشوكاني، محمد بن علي: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، (د. م: دار الفكر، د. ط، د. ت)، ص ١٩٣؛ السبكي، علي بن عبد الكافي: الإبهاج في شرح المنهاج، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٠٤ هـ/ ١٩٨٤ م)، ج ٣، ص ٩٠ - ٩١؛ الآمدي، علي بن محمد: الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق سيد الجميلي (بيروت: دار الكتاب العربي، ط ٢، ١٤٠٦ هـ / ١٩٨٦ م)، ج ٣، ص ٢٩٠.

<<  <   >  >>