للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القطع مطلوبًا في كلّ قضايا الحياة العملية.

لقد كان ابن عاشور مصيبًا في جزءٍ من انتقاده لعلم أصول الفقه بكون "معظم مسائله لا ترجع إلى خدمة حِكْمة الشريعة ومقصدها"، (١) وضآلة حجم المباحث المخصصة للمناسبة والإخالة والمصالح المرسلة -وهي مباحث في المقاصد- مقارنة بغيرها من المباحث، ولكن علاج هذا القصور ليس في وصف علم أصول الفقه بالعقم، ووصف مباحث المقاصد بالقطعية، والدعوة إلى تأسيس علم مستقل بها، ومحاولة جعلها بديلاً له؛ لأن ذلك لن يأتي بكبير فائدة.

نعم، يمكن إفراد موضوع المقاصد بالتأليف والبحث وجعله فرعًا من فروع العلوم الشرعية، فلا مانع من ذلك أُسْوَة بغيره من فروع العلم؛ إذْ إنّ إفراد موضوع بالبحث والدراسة يسهم في كشف كوامنه وأسراره، ولفت الأنظار إليه، وإيصاله إلى درجة النضج. أما إمكانية صيرورته منهجًا لإستنباط الأحكام يحلُّ محلَّ أصول الفقه أو يكون موازيًا له فأمر فيه نظر. وأفضل عمل هو ما قام به الشاطبي من دمج مباحث المقاصد بمباحث الأصول، وإعطائها مكانة بارزة فيها بحيث تصير روحًا يسري فيه؛ فمباحث المقاصد مكملة لمباحث الأصول لابديلًا له، وليس من اللازم لإبراز أهمية المقاصد التقليلُ من شأن أصول الفقه.

أما عن جعل قواعد المقاصد مَلْجَأَ المشتجرين، والفيصل بين المختلفين فإنه أمل عريض، لكنه عسير المنال؛ ذلك أن من رام رفع الخلاف في المسائل الفرعية فقد طلب مُحالاً، وإنما الذي يرجى هو تضييقُ دائرة الخلاف بالسعي إلى القضاء على التعصب المذهبي والاعتدادِ بالرأي ولو كان دليله ضعيفًا، والإتجاهُ إلى تحقيق المسائل العلمية وفق منهج يعتمد قوة الدليل وموافقة مقاصد الشارع بصرف النظر عن مدى موافقة النتيجة لهوى النفس واستجابتها للضغط النفسي الذي يفرضه الواقع المنحرف عن مبادئ الشرع ومقاصده، وأن لا يَزُجَّ بنفسه في هذه العملية من لم يكن مؤهلًا لها. وقد أشار ابن عاشور نفسه إلى هذا في صدر مقدمته لكتاب مقاصد


(١) انظر محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإِسلامية، ص ١٠٦ بتصرف يسير.

<<  <   >  >>