للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع أن كلًّا من النص والظاهر يستقل بإفادة معناه من كلّ وجه، إلّا أن الفرق بينهما أن النص يستقل بالإفادة بإطلاق، أما الظاهر فإنه يستقل بالإفادة بشرط عدم ثبوت ما يصرفه عن ظاهره، فإذا وُجِدَ ما يصرفه عن ظاهره صار مؤَوَّلاً.

٢ - ما يستقل بالإفادة من وجه دون وجه، مثل قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، فإيتاء حق المنتوج الزراعي يوم حصاده بإخراج زكاته معلوم، ولكن مقدار هذا الحق غير معلوم من هذا النص. وفي قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)} [التوبة: ٢٩]، نجد أن قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية معلوم من هذا النص، لكنه لا يستقل بالدلالة على مقدار الجزية.

فهذه الآيات نصوص في بعض المعاني، ومجملة في أخرى تحتاج في بيانها إلى نصوص أخرى.

٣ - ما لا يستقل بالإفادة إلّا بقرينة، وهو كلّ لفظ مشترك ومبهم، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧]، وقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]. فإن الذي بيده عقدة النكاح يُطْلَقُ على ولي المرأة وعلى الزوج، ولا يتحدد المقصود منهما هنا إلّا بالقرائن، وكذلك لفظ القرء مشترك بين الحيض والطهر ولا يمكن تعيين واحد منهما بكونه مقصود الشارع إلّا بالقرائن (١).

وبناءً على هذا، يمكن القول إن استخلاص المقاصد إما أن يتمّ من ظواهر النصوص الشرعية، وهي التي تستقل بإفادة معناها، وإما أن يكون من خلال


(١) انظر الغزالي: المستصفى، ج ١، ص ٢٢٩. هذا على رأي الجمهور، أما عند الحنفية فقد ذكر الجصاص أن لفظ القرء "حقيقة في الحيض مجاز في الطهر فالواجب حمله على الحقيقة حتى تقوم دلالة المجاز، ولا يجوز أن يراد المعنيان جميعا في حال واحدة". الجصاص، أحمد بن علي الرازي: أصول الفقه المسمى الفصول في الأصول، تحقيق د. عجيل جاسم النشمي (الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، ط ١، ١٤٠٥ هـ/ ١٩٨٥ م) ج ١، ص ٤٧.

<<  <   >  >>