للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجوب والندب، وهو قول الغزالي، ومنهم من جعله مشتركًا بين الوجوب والندب والإباحة، ومنهم من جعله مشتركًا بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد. (١)

وقد نصر الإمام الشاطبي مذهب القائلين بالتوقف، حيث يرى أن دلالة الأمر والنهي المطلقين يُرجع فيهما إلى الدليل مما يحفّ بالصيغة من قرائن مقالية أو حالية. وما لم يظهر دليله، وهو الأمر المطلق أو النهي المطلق يصعب القول فيه بأنه للوجوب، أو الندب أو غيرهما، وأن أقرب الأقوال إلى الصواب قول الواقفية. واستدلّ على ذلك بأنه "ليس في كلام العرب ما يرشد إلى اعتبار جهة من تلك الجهات دون صاحبتها"، (٢) وبقوله: "فالأوامر والنواهي من جهة اللفظ على تساوٍ في دلالة الإقتضاء، والتفرقة بين ما هو منها أمرُ وجوبٍ أو ندبٍ، وما هو نهيُ تحريمٍ أو كراهةٍ لا تُعلم من النصوص، وإن عُلِمَ منها بعض فالأكثر منها غير معلوم، وما حصل لنا الفرق بينها إلّا باتباع المعاني والنظر إلى المصالح، وفي أي مرتبة تقع؟ وبالاستقراء المعنوي، ولم نستند فيه لمجرد الصيغة، وإلَّا لزم في الأمر أن لا يكون في الشريعة إلّا على قسم واحد، لا على أقسام متعددة، والنهي كذلك أيضًا". (٣)

فالأمر لكونه محتملاً للوجوب ولغيره ينبغي النظر فيه بداية من خلال ما يحفّ به من قرائن هل هو باق على ظاهره؟ أم أنه مصروف عنه؟ فإذا ثبت بقاؤه على ظاهره عُلِمَ أن قصد الشارع منه هو الإتيان بالمأمور به، وكذلك النهي.

وما قيل عن مذاهب العلماء في دلالة الأمر المطلق يقال عن دلالة النهي المطلق، فالمواقف نفسها، والأدلّة أيضًا نفسها.

وقد حدّد الشاطبي الطريق السليم لفهم المقصود - الشرعي من الأوامر والنواهي بالنظر في أمور ثلاثة: أحدها استقراء ما ورد في المسألة موضوع الأمر أو النهي من نصوص في الكتاب والسنّة لِيَتِمّ استخلاص المعنى المشترك بين جميع تلك النصوص.


(١) انظر الغزالي: المستصفى، ج ٢، ص ٥ - ٦؛ والآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج ٢، ص ٢١٠.
(٢) الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٣، ص ١٥٧.
(٣) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ١١٥.

<<  <   >  >>