للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي يمكن أن تصرفه عن ذلك، وكذلك كون النهي للتحريم لا يحكم فيه بذلك إلّا مع انتفاء ما يصرفه عن ذلك. ومن أجل ذلك نجد أهل العلم جميعًا يحذرون من التسرع في الفتوى بمجرد الإطلاع على نص واحد، أو بما يتبادر إلى الذهن من ظاهر نص من النصوص قبل معرفة موقع هذا النص من الأدلّة الشرعية الأخرى، وما يحمله - النص ذاته من قرائن، والمقام الذي صدر فيه، بل إن الإمام الشاطبي عدّ ذلك من باب اتباع المتشابهات، حيث يقول: "من اتّباع المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها، وبالعمومات من غير تأمّل هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك العكس، بأن يكون النص مقيَّدا فيطلق، أو خاصًّا فيعمّ بالرأي من غير دليل سواه. فإن هذا المسلك رمي في عماية، واتباع للهوى في الدليل، وذلك أن المطلق المنصوص على تقييده مشتبه إذا لم يقيّد، فإذا قُيِّد صار واضحًا، كما أن إطلاق المقيَّد رأي في ذلك المقيَّد معارض للنص من غير دليل". (١)

٣ - مذهب أرباب العموم: وهم القائلون بأن صيغ العموم تفيد الشمول والإستغراق لكلّ ما تصلح له بدلالة الوضع، وأنها إنما تستعمل في الخصوص مجازا. فهم يرون إمكانية دلالة ظاهر صيغة العموم على قصد الشارع إلى تعميم الحكم ليشمل كلّ ما يصلح له اللفظ بالوضع، فهذا هو الأصل ولا يصرف عنه إلى خصوص إلّا بقرينة. وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور أصحابهم، والظاهرية.

وقد استدلوا على إفادة صيغ العموم الإستغراق بأن ذلك يقتضيه تفريق العرب في الوضع - اللغوي بين المفرد والمثنى والجمع، وأن هذا من ضرورات التخاطب بين الناس؛ إذْ من غير تفريق بين هذه يعسر التفاهم، ثم إن تعامل الناس من قديم جارٍ على هذا، فإذا خاطب إنسانٌ آخرَ بصيغة عموم لم يحسن منه فهمها على الخصوص إلّا إذا دلّت على ذلك قرائن، واللغة إنما وضعت لتيسير التفاهم بين الناس. (٢) ولولا كون


(١) الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى: الإعتصام، ضبطه وصححه أحمد عبد الشافي، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ٢، ١٤١١ هـ / ١٩٩١ م)، ج ١، ص ١٧٨.
(٢) انظر في تفصل أدلّة أرباب العموم: الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج ٢، ص ٢٩٤ - ٣٠٢؛ السرخسي: أصول السرخسي، ج ١، ص ١٣٥ وما بعدها؛ الغزالي: المستصفى، ج ٢، ص ٢٣ - ٢٧، وغيرها من كتب الأصول.

<<  <   >  >>