قائماً مدة لا أدري مداها، ولكني أرى النوم لا يغلب عليّ حتى يغلب الموت على الليل ويقوم الفجر لِيَنْعيَه، هنالك أنام بضع ساعات نوماً مضطرباً ممزوجاً بأفظع الأحلام.
أنا لا أشكو إلا هذه الذكرى، فلقد أقضَّت مضجعي ونغَّصَت عليّ حياتي، وإنني وإياها كصاحب الحمّى تعاوده حُمّاه، فإذا جاءتني خفق لها قلبي ووَنَتْ أعصابي، ودارت بي الأرض حتى أجهل مكاني منها، وأستغرق في سبات عميق من التأمل المُمِضّ والتفكير المؤلم.
رباه، أخلقتني رزمة من عواطف لسعادتي أم لشقائي؟ وهل بنيتني من شعور وإحساس لأعيش متألماً أو لأعيش جاهلاً؟ ماذا أصنع؟ إن عاطفتي استأثرت بنفسي حتى ما يملك عقلي من أمرها شيئاً، وكأني أسمعها تتفلسف قائلة: أيها الرجل، لماذا تعيش؟ إن كنت تعيش لنفسك فاطلب لها السعادة، وإن كنت تعيش للناس فهيهات أن تفيدهم ولك من شواغل نفسك وآلامها ما يصرفك عنهم، ومهما يكن فدعك من هذه الغربة وعد إلى بلدك!
أما أنا فلا أفهم مما تقول شيئاً، وكأن هذه الآلام التي تنتابني تستقطر ماء حياتي قطرة قطرة، وستأتي ساعةٌ يجف فيها فأغمض عيني إلى الأبد شاخصاً إلى السماء، أرى صورة وطني في مرآتها الخالدة فأودعه الوداع الأخير، ثم أرقد!
ليس لي هنا من عمل إلا الدأب على المطالعة، أطالع كتباً وروايات أروي صفحاتها بدمعي وأغذيها بسواد قلبي وثمرة فؤادي، حتى تجنح الشمس للمغيب، فأخرج فأقف على «كوبري الزمالك»،