للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالوجباتِ تضاعفاً والانزجارِ عما نهى" (١).

وقال في موضع آخر في سياق الكلام على الطيرة: "وأما ما روي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الطيرة في ثلاث: في الدار والمرأة الفرس» فالجواب عنه: أن عائشة رضي الله عنها طعنت عليه وبيَّنت تثبيت الحديث وذنك أنها ذُكر لها قول أبي هريرة فقالت: لم يحفظ أبو هريرة، دخل علينا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قاتل الله اليهود؛ يزعمون أن الشؤم في الدار والمرأة والفرس» فسمع أبو هريرة آخر الحديث ولم يسمع أوله؛ وفي رواية: أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الطيرة في ثلاث: في الدار والمرأة والفرس» فغضبت عائشة رضي الله عنها غضباً شديداً، وقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما قاله، إنما قال: «أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك» فقد بيَّنت عائشة وجه الحديث وسببه، وأن ذلك من قول اليهود والجاهلية، وبيَّنت أن أبا هريرة لم يسمع أول الحديث؛ وقد تأول قوم حديث أبي هريرة في أن الشؤم في المرأة إذا كانت لا تلد أو سيئة الخلق، وفي الدار إذا كانت بعيدة عن المسجد أو ضيقة وجيرانها جيران سوء، وفي الدابة إذا كانت تعضُّ أو ترفُس، أو كانت مربوطة للفخر والخيلاء ... ؛ فأما ما روى أنس أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا نزلنا داراً فكثر فيها عددنا وكثرت فيها أموالنا، ثم تحولنا عنها إلى أخرى، فقلَّت فيها أموالنا، وقل فيه عددنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَذَرُوها ذميمةً» فالجواب: أنه قال لهم: «فَذَرُوها ذميمةً» لما كان استقر في أنفسهم في زمان الجاهلية من شؤم الدار، فأمرهم بالنقلة عنها ليزول ما توهموه في قلوبهم من أن الشؤم في المسكن وما لحقهم من الاستيحاش فيها، والتثاقل بها، يستعجلوا الراحة ويزول عنهم توقع البلاء الذي قد استشعروه من نزول الحوائج،

وإن لم يكن لذلك في الحقيقة أصل، ولئلا يعتقدوا التشاؤم بالدار، ويفهم من قوله: «فَذَرُوها ذميمةً» وعدم التصريح لهم والتعريف بذكر الشؤم أن ذلك قد كان قدَّره لهم بقوله: «لا عدوى ولا طيرة» وكان سؤال السائل في ذلك على سبيل الاستفهام لما أشكل عليه وقوع النقص


(١) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص ١٤١، ١٣٧.

<<  <   >  >>