زيارة القبور مشروعة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عنها أولاً من باب سد الذرائع، لأن الأمم السابقة فتنت بقبور أنبيائها وصالحيها حتى أوقعهم الشيطان كرات ومرات في هوة الشرك واتخاذهم أنداداً مع الله.
فمن أجل صيانة لجانب التوحيد، وقطعاً للتعلق بالأموات، وسداً لذريعة الشرك نهى رسول الله أولاً عن زيارة القبور، ولما رسخت عقيدة التوحيد في قلوب أصحابه الكرام وأمن عليهم الفتنة رخص لهم في زيارتها، وبين لهم الغاية من زيارتها وهي أنها تذكر الآخرة، هذه واحدة، والأخرى ليستفيد الأموات من دعاء إخوتهم الأحياء.
وإذا كان الأمر كذلك، والهدف الأول وهو تذكر الآخرة أمر يتحقق بزيارة القبور القريبة والمجاورة، اكتفى الشارع الحكيم بالحد الأدنى الذي يحقق الغرض الشرعي مع تحفظات كثيرة
تسد ذرائع الفتنة والشرك: منها أن لا تتخذ مساجد، ومنها أن لا يبنى عليها، ولا تجصص، ولا يصلى عليها، ولا إليها، وغير ذلك.
ولم يشرع أبداً السفر إليها، لا بقوله ولا بفعله , وآية ذلك: أن هذا الأمر لم ينزل فيه قرآن، ولم يثبت فيه حديث من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فعله، فلو كان مشروعاً لتحقق فيه كل ذلك، ولسنَّ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك برحلات ورحلات إلى الأنبياء والصالحين، ولملئت الدواوين برحلات الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، ونحن نجد دواوين الإسلام من صحاح وسنن ومسانيد وكتب فقه السلف الصالح قد سجلت كل حقوق الأموات: من عيادتهم وهم مرضى، إلى غسلهم، وتشييعهم، ودفنهم، وزيارتهم، والدعاء لهم، والنهي عن الجلوس على قبورهم.
كل هذا قد طفحت به دواوين الإسلام، خالية خلواً كاملاً من حديث نبوي صحيح أو حسن، ومن أقوال الصحابة والقرون المفضلة، ومن أقوال أئمة الهدى من الحث على شد