قبل الحديث عن ترجمة الإمام جمال الدين السرمري، لابد من نبذة مختصرة عن عصره، فإن الظروف التي تحيط بالشخص، والبيئة التي يعيش فيها، لهما أثر كبير في تكوين حياته، وطبعها بطابع خاص، وذلك لأن الإنسان كما يقال: ابن بيئته، فيتأثر - غالباً - بما يدور حوله من أحداث سياسية وحروب ونزاعات، كما يتأثر بالوضع الإجتماعي والعلمي.
ولما لهذه الجوانب من أثر في حياة العالم أو إنتاجه العلمي، فإني سألقي الضوء باختصار على أهم هذه الجوانب.
[المطلب الأول: الحالة السياسية]
لقد ولد وعاش جمال الدين السرمري في أوضاع سياسية قلقة وغير مستقرة، فقد مُني العالم الإسلامي في هذه الفترة بأحداث جسام، كان من أبرزها:
١ - سقوط مدينة بغداد عاصمة الخلافة العباسيّة:
كانت الخلافة الإسلامية في بغداد قبل وصول التتار (١) قد تداعت أركانها، ولم يكن زمام الأمور في بغداد في يد واحدة، فكان الوزراء كل منهم ينقم على الآخر.
وكان سكان بغداد من أهل السنة والشيعة والنصارى واليهود، وبينهم من الخلاف الشيء الكثير.
(١) التتار: شعب بدوي يعيش بأطراف بلاد الصين، وهم سكان البراري، ومشهورون بالشر والغدر، يعبدون الكواكب، ويسجدون للشمس أثناء شروقها، وتنتشر عندهم الإباحية، وتعرف ديانتهم القديمة بالشامانية، يقدمون الأضاحي لبعض الحيوانات الشريرة، ويقدسون أرواح الأجداد، والتتار هم أصل القبائل المتفرعة عنهم جميعاً من مغول وترك وسلاجقة وغيرهم، ولما سيطر المغول أيام جنكيز خان على قبائل التتار شمل الجميع اسم المغول، ولما سيطر التتار أيام تيمور لنك شمل الجميع اسم التتار. انظر: التاريخ الإسلامي (٦/ ٣٢٩)، محمود شاكر، الطبعة السادسة ١٤٢١، المكتب الإسلامي.