للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيره (١).

وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، فقال: "وهو سبحانه يقدِّر مع كراهته أشياءَ من مقدوراته التي يبغضها ويقضيها ويشاؤها من أنواع الكفر والفسوق والعصيان، فتجتمع الإرادة والكراهة في شيء واحد ... " (٢).

وهذا القول الذي ذهب إليه أهل السنة من التفريق بين المشيئة والمحبة هو الذي ينجي من الورطة في هذا الأصل العظيم، كما قال ابن القيم: "والذي يكشف هذه الغمة، ويبصر من

هذه العماية، وينجي من هذه الورطة: إنما هو التفريق بين ما فرق الله بينه، وهو المشيئة والمحبة، فإنهما ليسا واحداً، ولا هما متلازمين" (٣).

[٢) التسوية بين الفعل والمفعول]

وهذا الأصل الثاني الذي نشأ بسببه الخلاف في القدر، وهو هل الخلق هو المخلوق أو غيره؟ فالذين يقولون بنفي الصفات الاختيارية بناءًا على منع حلول الحوادث، أجابوا عن ذلك بأن قالوا: إن الخلق هو المخلوق، والفعل هو عين المفعول، وهذا الأصل مما اتفق عليه الجبرية والقدرية، والتزموا بسببه لوازم باطله على اختلاف أقوالهم، فقالت المعتزلة: الكفر والفسوق والعصيان أفعال قبيحة، والله منزه عن القبيح باتفاق المسلمين، فلا تكون فعلاً له، وزعمت الجهمية ومن تبعهم من الأشاعرة أن العبد مجبور على أفعاله، دون أن يكون له اختيار أو أي فعل ينسب إليه، وإنما فعل العبد هو فعل الله، وقد دخل من بابهم أهل الاتحاد والحلول.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ثم من هؤلاء -أي المائلون إلى الجبر- من قال: إنه ليس لله فعل يقوم به فلا فرق عنده بين فعله ومفعوله وخلقه ومخلوقه ... وأكثر المعتزلة يوافقون هؤلاء على أن فعل الرب تعالى لا يكون إلا بمعنى مفعوله، مع أنهم يفرقون في العبد بين الفعل


(١) انظر: القضاء والقدر ص ٢٩١ - ٢٩٨، د. عبدالرحمن المحمود.
(٢) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص ١٢٨.
(٣) مدارج السالكين بين منازل "إياك نعبد وإياك نستعين" (١/ ١٣)، لابن القيم.

<<  <   >  >>