للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محبوب لله، لأنه مريده وخالقه.

يقول الباقلاني: "واعلم: أنه لا فرق بين الإرادة، والمشيئة، والاختيار، والرضى، والمحبة ... واعلم: أن الاعتبار في ذلك كله بالمآل لا بالحال، فمن رضى سبحانه عنه لم يزل راضياً عنه لا يسخط عليه أبداً، وإن كان في الحال عاصياً، ومن سخط عليه فلا يزال ساخطاً عليه ولا يرضى عنه أبداً، وإن كان في الحال مطيعاً" (١).

القول الثاني: إن الإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة، بل بينهما فرق:

وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر، وقد دل على ذلك الشرع والفطرة والعقل.

قال تعالى: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: من الآية ٣٩] وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: من الآية ١٢٥]، هذا من نصوص المشيئة والإرادة.

ومن نصوص المحبة قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: من الآية ٢٠٥] وقوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨] فالآيات الأولى تدل على أن ما شاء الله كان، ومالم يشأ لم يكن -كما هو إجماع المسلمين- ثم تدل النصوص الأخرى أن هناك أشياء يكرهها الله، ولا يحبها، ولا يرضاها، فدل ذلك على افتراق المشيئة عن المحبة، والآيات في ذلك كثيرة جداً.

وقد فطر الله عباده على أن يقولوا: هذا الفعل يحبه الله، وهذا يكرهه الله، وفلان يفعل ما يغضب الله ... والكل واقع بقدرة الله ومشيئته، فدل على أن هناك فرقاً بينهما.

وأما العقل: فلا يمتنع في بداهة العقول أن يريد الإنسان شيئاً وهو لا يحبه كما في الدواء


(١) الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص ١٣، للباقلاني

<<  <   >  >>