للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق، وأدى بهم ضلالهم إلى انحراف خطير جداً في مسألة القضاء والقدر، وهي مسألة الأمر والنهي، وعلاقة هذه بتلك، والخلاف: هل الإرادة تستلزم الرضا والمحبة؟ وقع على قولين:

القول الأول: إن الإرادة تستلزم الرضا والمحبة:

وهذا قول المعتزلة، والجهمية، وأغلب الأشاعرة، ولكن اتفاق هؤلاء في هذا، لم يجعلهم يتفقون فيما يترتب على ذلك من كون ما يقع من الكفر والمعاصي محبوباً لله لكونه مراداً له، بل اختلفوا:

أ- فقالت المعتزلة القدرية: قد علم بالكتاب والسنة وإجماع السلف أن الله يحب الإيمان

والعمل الصالح، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، ولما كان هذا ثابتاً لزم أن تكون المعاصي ليست مقدرة له ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.

يقول عبدالجبار الهمذاني المعتزلي: "ولا يصح أن يقال: إن المحبة غير الإرادة، وإنما استحال ما ذكرناه، لأن كل واحد منهما يحتاج إلى صاحبه" (١)، ثم يقول: "أن كل مَن جازت عليه الإرادة، جازت عليه المحبة، وأنه تعالى إذا صح كونه مريداً، فيجب كونه محباً، وكل ما صح أن يريده صح أن يحبه، وكل ما أوجب قبح محبته، أوجب قبح إرادته" (٢).

ويقول في الرضا: "وإنما قلنا في الرضا أنه الإرداة، لأنه لو كان غيرها لم يمتنع أن نرضى الشيء وإن لم نُرِده على وجه، أو نريده ويقع على ما أراده، ولا نرضى به على وجه، فإذا بطل ذلك صح أنه الإرادة" (٣).

ب- وقالت الجهمية، ومن معها من الأشاعرة: قد علم بالكتاب والسنة والإجماع أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل ما في الوجود فهو بمشيئته وقدرته، وعلى هذا فالكون كله، قضاؤه وقدره، وطاعته ومعاصيه، وخيره وشره، فهو


(١) المغني في أبواب التوحيد والعدل - الإرادة- ص ٥١، لعبدالجبار الأسد آبادي، تحقيق: محمود قاسم.
(٢) المغني في أبواب التوحيد والعدل - الإرادة- ص ٥٤.
(٣) المغني في أبواب التوحيد والعدل - الإرادة- ص ٥٦.

<<  <   >  >>