للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موضع آخر عند الكلام على فضل المشي إلى المساجد: "وقال لقوم أرادوا أن يحوِّلوا بيوتَهم إلى قربِ المسجد: «دياركم تُكتب آثاركم» يعني الزموا دياركم البعيدة من المسجد لتكثُرَ حسناتكم بكثرةِ الخُطا إلى المسجد, والله أعلم؛ وفي روايةٍ قال لهم: «إن لكم بكلِّ خطوة درجة» والقوم هم بنو سلمة من الأنصار، وفي أفراد البخاري من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رجلٌ لا أعلم رجلاً أبعدَ من المسجدِ منه، وكان لا تُخطئه صلاةً - يعني في المسجد جماعة - قال: فقيل له، أو قلتُ له: لو اشتريتَ حماراً تركبهُ في الظلماء أو في الرمضاء، قال: ما يسرُّني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريدُ أن يُكتَبَ لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد جمع اللهُ لك ذلك كله» وفي رواية: «إن لك ما احتسبت» " (١).

[المسألة التاسعة: تقديم الحديث على القياس]

ليس أحد من الأئمة إلا وهو يقدم الحديث على القياس، فقدم أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة على محض القياس وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدم الشافعي خبر جواز الصلاة بمكة وقت النهي مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وأما مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابي على القياس (٢)، وقال عبدالله بن أحمد سمعت أبي يقول: الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي، فقال عبدالله: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه وأصحاب

الرأي فتنزل به النازلة، فقال أبي: يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من الرأي (٣).


(١) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص ٤٧ - ٤٨.
(٢) انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين (١/ ٣١ - ٣٢)، تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ١٩٧٣ م.
(٣) إعلام الموقعين (١/ ٧٦ - ٧٧).

<<  <   >  >>