المراد بالاستثناء في الإيمان: هو قول الرجل: "أنا مؤمن إن شاء الله"، وهذه المسألة مرتبط بالكلام في المبحثين السابقين، وثمرة من ثمرات الخلاف فيهما، وحاصل الأقوال التي قيلت في
المسألة على ثلاثة أقوال قد جلاها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: "وأما الاستثناء في الإيمان بقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، فالناس فيه على ثلاثة أقوال: منهم من يوجبه، ومنهم من يحرمه، ومنهم من يجوز الأمرين باعتبارين وهذا أصح الأقوال.
فالذين يحرمونه: هم المرجئة والجهمية ونحوهم ممن يجعل الإيمان شيئًا واحدًا يعلمه الإنسان من نفسه كالتصديق بالرب ونحو ذلك مما في قلبه، فيقول أحدهم: أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين وكما أعلم أني قرأت الفاتحة وكما أعلم أني أحب رسول الله وأني أبغض اليهود والنصارى، فقولي: أنا مؤمن كقولي: أنا مسلم وكقولي: تكلمت بالشهادتين وقرأت الفاتحة وكقولي: أنا أبغض اليهود والنصارى، ونحو ذلك من الأمور الحاضرة التي أنا أعلمها وأقطع بها، وكما أنه لا يجوز أن يقال: أنا قرأت الفاتحة إن شاء الله، كذلك لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لكن إذا كان يشك في ذلك فيقول: فعلته إن شاء الله، قالوا: فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه وسموهم الشكاكة.
والذين أوجبوا الاستثناء لهم مأخذان: أحدهما أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان، والإنسان إنما يكون عند الله مؤمناً وكافراً باعتبار الموافاة وما سبق في علم الله أنه يكون عليه وما قبل ذلك لا عبرة به، قالوا: والإيمان الذي يتعقبه الكفر فيموت صاحبه كافراً ليس بإيمان كالصلاة التي يفسدها صاحبها قبل الكمال، وكالصيام الذي يفطر صاحبه قبل الغروب، وصاحب هذا هو عند الله كافر لعلمه بما يموت عليه، وكذلك قالوا في الكفر، وهذا المأخذ مأخذ كثير من المتأخرين من الكلابية وغيرهم ممن يريد أن ينصر ما اشتهر عن أهل السنة