للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديث من قولهم: أنا مؤمن إن شاء الله، ويريد مع ذلك أن الإيمان لا يتفاضل، ولا يشك الإنسان في الموجود منه وإنما يشك في المستقبل، وانضم إلى ذلك أنهم يقولون: محبة الله ورضاه وسخطه وبغضه قديم ... فهؤلاء يقولون: إذا علم أن الإنسان يموت كافراً لم يزل مريداً لعقوبته فذاك الإيمان الذي كان معه باطل لا فائدة فيه بل وجوده كعدمه، فليس هذا بمؤمن أصلاً، وإذا علم أنه يموت مؤمناً لم يزل مريداً لإثابته وذاك الكفر الذي فعله وجوده كعدمه، فلم يكن هذا

كافرا عندهم أصلاً، فهؤلاء يستثنون في الإيمان بناء على هذا المأخذ، وكذلك بعض محققيهم يستثنون في الكفر مثل أبي منصور الماتريدي فإن ما ذكروه مطرد فيهما ... " (١).

وقال في موضع آخر مبيناً مأخذ أهل السنة والجماعة: "والقول الثالث أوسطها وأعدلها: أنه يجوز باعتبار وتركه باعتبار، فإذا كان مقصوده أني لا أعلم أني قائم بكل ما أوجب الله علي وأنه يقبل أعمالي، ليس مقصوده الشك فيما في قلبه، فهذا استثناؤه حسن، وقصده أن لا يُزكي نفسه بأنه عمل عملاً كما أُمر فقبل منه، والذنوب كثيرة والنفاق مخف على عامة الناس" (٢).

وقال أيضاً: "والذين استثنوا من السلف والخلف لم يقصدوا في الإنشاء وإنما كان استثناؤهم في إخباره عما قد حصل له من الإيمان فاستثنوا إما أن الإيمان المطلق يقتضي دخول الجنة وهم لا يعلمون الخاتمة كأنه إذا قيل للرجل: أنت مؤمن، قيل له: أنت عند الله مؤمن من أهل الجنة، فيقول: أنا كذلك إن شاء الله، أو لأنهم لا يعرفون أنهم أتوا بكمال الإيمان الواجب" (٣).

واستدل أهل السنة على جواز الاستثناء على الأمور اليقينية بأدلة منها:

قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: من الآية ٢٧] مع العلم أن الله يعلم أنهم سيدخلون لا محالة.

وقال الفضل بن زياد: "سمعت أبا عبد الله يقول: إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله فليس هو


(١) مجموع الفتاوى (٧/ ٢٢٩ - ٢٣١).
(٢) مجموع الفتاوى (١٣/ ٤١).
(٣) مجموع الفتاوى (١٣/ ٤٢).

<<  <   >  >>