للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣ - مسألة تسلسل الحوادث]

وهذه المسألة من المسائل الطويلة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً فيها بطلان مذهب الفلاسفة, وأدلة المتكلمين حول إثبات الصانع وحدوث العالم، وهي مباحث عويصة قال عنها شيخ الإسلام: إنها من محارات العقول (١)، بل قال عن بعض مسائلها وفروعها: إنها من الكلام المذموم (٢)، ولا شك أن شيخ الإسلام خاض فيها مضطراً؛ ليبين خطأ وضلال أولئك الذين خاضوا فيها مخالفين لمنهج الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-؛ وإلا فمسألة إثبات الصانع وحدوث المخلوقات من المسائل البدهية التي يعرفها عوام المسلمين.

وقد اشتهر عن ابن تيمية أنه يقول بجواز حوادث لا أول لها، وتلقفها مناوئوه وحساده من أعداء مذهب السلف فرموه صراحة بأنه يقول بقدم العالم كالفلاسفة، وممن اتهمه بذلك تقي الدين السبكي، فإنه لما اطلع على كتابه "منهاج السنة النبوية" أنشد أبياتاً مدح فيها الكتاب إلا إنه ناقره بأبيات فيها مغالطات واتهامات مختصرة، ومما قال فيها:

"يحاول الحشو أنّى كان فهو له ... حثيث سيرٍ بشرقٍ أو بمغربه

يرى حوادث لا مبدا لأولها ... في الله سبحانه عما يُظنّ به" (٣)

وكان قد كتب التقي السبكي قصيدته البائية المذكورة بعد وفاة شيخ الإسلام كما يدل عليه قوله:

لو كان حيّاً يرى قولي ويسمعه رددتُ ما قال رداً غير مشتبه

فتصدى للتشنيع على شيخ الإسلام بذلك، والرد عليه بمثل البحر والقافية جمال الدين السرمري رحمه الله، ومما جاء فيها:


(١) منهاج السنة النبوية (١/ ٢٠٧)، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، مؤسسة قرطبة.
(٢) المصدر السابق (١/ ١٣٣).
(٣) ذكرها التاج السبكي في ترجمة أبيه التقي السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (١٠/ ١٧٦)، تحقيق: د. محمود الطناحي ود. عبدالفتاح محمد الحلو، الطبعة الثانية ١٤١٣، دار هجر.

<<  <   >  >>