للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرحال إلى القبور (١).

- قول جمال الدين السرمري في المسألة:

لما تطرقت البدع إلى أوساط المسلمين، وبدأوا يعتقدون في المشاهد والقبور والأضرحة والمزارات مالم ينزل الله به سلطاناً، من شد الرحال إليها والاستغاثة بأهلها، صارت هذه القضية مفروغاً من الكلام فيها عند العلماء، فضلاً عن العامة من الناس، واعتُبرت من القضايا الحساسة التي تستغل لإثارة غضب الجماهير ضد من يتكلم فيها.

ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أشرب قلبه بالإيمان الخالص، والعقيدة الصحيحة، لما سُئل عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة حينما كان في القاهرة، فردّ عليه رداً مستنبطاً من الكتاب والسنة، ونهى عنه استدلالاً بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى» (٢).

فاستغل هذه الفتيا سنة ٧٢٦ القاضي المالكي الإخنائي (ت ٧٥٠) بعد صدورها ببضع عشرة سنة، وزاد فيها ونقص، ورماه بالتنقيص بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرض السلطان عليه تقرّباً إليه، وكسباً لعواطف الجماهير من الناس أيضاً، وألف رسالة أسماها "المقالة المرضية في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية"، فرد شيخ الإسلام على الإخنائي وغيره ممن رد عليه في هذه المسألة (مثل الزملكاني، والسبكي، وابن الحاج، وغيرهم) في عديد من كتبه، ومنها: "الرد على الإخنائي واستحباب زيارة خير البرية الزيارة الشرعية"، "المنسك القديم والجديد"، "الجواب الباهر في زوار المقابر" (٣)، فأوضح الحق في المسألة، ودحض الشبه التي كانت تشنع عليه، إلا أن السبكي عفا الله عنه أعاد التشغيب على ابن تيمية بعد موته في التعريض بهذه المسألة، فقال:


(١) انظر: كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته ٢٠٦ - ٢٠٧، لربيع بن هادي المدخلي، الطبعة الأولى ١٤٢٧، مجالس الهدى، الجزائر.
(٢) رواه البخاري (٢/ ٦٠) ح ١١٨٩، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة؛ ورواه مسلم (٢/ ١٠١٤) ح ١٣٩٧، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، بمثله.
(٣) انظر: التعليق على "الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية" ص ٨٠ - ٨١، لصلاح الدين مقبول أحمد.

<<  <   >  >>