للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما رأى الفلاسفة دليل المتكلمين في إثبات حدوث العالم اعترضوا عليهم بأن في ذلك -لم يكن قادراً ثم صار قادراً- ترجيحاً لأحد طرفي الممكن بلا مرجح، والترجيح لابد له من مرجح تام يجب به، ثم قالوا: والقول بوجود سبب يقتضي الترجيح يحتاج إلى سبب آخر وهكذا إلى غير نهاية فيلزم التسلسل وهو ممتنع عندكم، فوقع المتكلمون في مأزق لم يستطيعوا التخلص منه وقامت عليهم الشناعات في هذا الموضع، يقول شيخ الإسلام: "وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم: يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث، ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع وقال لهم الناس: هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع، وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح؛ فإذا كانت الأوقات متماثلة، والفاعل على حال واحدة لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً، ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح" (١).

٣ - لما رأى شيخ الإسلام ابن تيمية بطلان مذهب الفلاسفة وأدلة المتكلمين حول إثبات الصانع وحدوث العالم، خاض فيها مضطراً لبيان الحق في المسألة، فقال: "والمقصود هنا أن

هؤلاء المتكلمين الذين جمعوا في كلامهم بين حق وباطل، وقابلوا الباطل بباطل، وردوا البدعة ببدعة، لما ناظروا الفلاسفة وناظروهم في مسألة حدوث العالم ونحوها استطال عليهم الفلاسفة لما رأوهم قد سلكوا تلك الطريق التي هي فاسدة عند أئمة الشرع والعقل، وقد اعترف حذاق النظار بفسادها، فظن هؤلاء الفلاسفة الملاحدة أنهم إذا أبطلوا قول هؤلاء بامتناع حوادث لا أول لها، وأقاموا الدليل على دوام الفعل، لزم من ذلك قدم هذا العالم ومخالفة نصوص الأنبياء وهذا جهل عظيم، فإنه ليس للفلاسفة ولا لغيرهم دليل واحد عقلي صحيح يخالف شيئاً من نصوص الأنبياء، وهذه مسألة حدوث العالم وقدمه، لا يقدر أحد من بني آدم أن يقيم دليلاً على قدم الأفلاك أصلاً، وجميع ما ذكروه ليس فيه ما يدل على قدم شيء بعينه من العالم


(١) درء تعارض العقل والنقل (٨/ ١٠٧).

<<  <   >  >>