للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي تلك الظروف، أرسل هلاكو إلى الخليفة رسالة، يهدده فيها، ويأمره بتسليم بغداد. فلم يكترث الخليفة للأمر.

فقرر الزحف إلى بغداد مع مائتي ألف مقاتل إلى بغداد، وأول من برز إليه مهنئاً له ومرحباً به هو ابن العلقمي ثم رجع وأشار على الخليفة بالمثول بين يديه لتقع المصالحة، فخرج الخليفة مع سبعمائة راكب من أعيان الدولة وأكابر البلد فسلم نفسه وعاصمته بلا قيد أو شرط بعد أن وعده هولاكو بالأمان - وأنَّى لكافر أمان - فغدر بهم.

وأشار ابن العلقمي والنصير الطوسي وغيرهم من المنافقين على هولاكو بقتل الخليفة: "فقتلوه رفساً ... وقيل: بل خنق، ويقال بل أغرق" (١).

ثم مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار، إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، ولم ينج منهم سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار جاسوسهم ابن العلقمي الرافضي (٢).

كما خربوا المساجد، وأتلفوا المكتبات، بإحراق الكتب، أو بإلقائها في نهر دجلة، ودخل كثير من الناس الآبار، وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أياماً لايظهرون، وما زال السيف يقتل أهل بغداد أربعين يوماً، حتى قد قدر المؤرخون القتلى بمليون، وثمانمائة ألف! (٣)، وكان قصدهم إفناء النوع وإبادة العالم لا قصد الملك والمال (٤).


(١) البداية والنهاية (١٣/ ٢٣٤ - ٢٣٥).
(٢) البداية والنهاية (١٣/ ٢٣٥).
(٣) انظر: البداية والنهاية (١٣/ ٢٣٥)، العبر في خبر من غبر (٣/ ٢٧٨)، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد، الطبعة الأولى ١٤٠٥، دار الكتب العلمية، بيروت؛ حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة (١/ ٥٧)، د. جميل عبد الله المصري، الطبعة الأولى، ١٤٠٧، مطابع الجامعة الإسلامية، المدينة.
(٤) انظر: تاريخ الخلفاء ص ٤٠٣، للسيوطي, تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، الطبعة الأولى ١٣٧١، مطبعة السعادة، مصر.

<<  <   >  >>