للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَيَدْخُلَّنَ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((كَذَبْتَ، إِنَّهُ شهد بدرا والحديبية)) (١) .

وهم يتبرؤون من جمهور هؤلاء. بل يتبرؤون مِنْ سَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا نَحْوَ بِضْعَةَ عَشَرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِي الْعَالَمِ عَشَرَةٌ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ، لَمْ يَجِبْ هَجْرُ هذا الِاسْمِ لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا قَالَ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فيِ الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُون} (٢) .

لَمْ يَجِبْ هَجْرُ اسْمِ التِّسْعَةِ مُطْلَقًا، بَلِ اسْمُ الْعَشَرَةِ قَدْ مَدَحَ اللَّهُ مُسَمَّاهُ فِي مَوَاضِعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشْرَةٌ كَامِلَة} (٣) .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة} (٤) .

وقال تعالى: {وَاٌلْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى (٥) .

وَقَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ (٦) .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((مَا مِنْ أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) (٧) نظائر ذلك متعددة.

ومن العجيب أَنَّهُمْ يُوَالُونَ لَفْظَ التِّسْعَةِ، وَهُمْ يُبْغِضُونَ التِّسْعَةَ مِنَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُمْ يُبْغِضُونَهُمْ إِلَّا عَلِيًّا، وَكَذَلِكَ هَجْرُهُمْ لِاسْمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلِمَنْ يتسمى بذلك، حتى يَكْرَهُونَ مُعَامَلَتَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ كَانُوا مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ، لَمْ يُشْرَعْ أَنْ لَا يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِمِثْلِ أَسْمَائِهِمْ، فَقَدْ كَانَ فِي الصحابة من اسمه الوليد.


(١) انظر الحديث في مسلم ج ٤ ص ١٩٤٢.
(٢) الآية ٤٨ من سورة النمل.
(٣) الآية ١٩٦ من سورة البقرة.
(٤) الآية ١٤٢ من سورة الأعراف.
(٥) انظر البخاري ج٣ص٤٧-٤٨ ومسلم ج٢ص٨٣٠-٨٣١.
(٦) انظر كتاب الصوم من البخاري الباب ٧٢ ومسلم ج٢ص٨٢٣.
(٧) انظر البخاري ج٢ص٢٠ والترمذي ج٢ص١٢٩.

<<  <   >  >>