للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحُسَيْنِ وَنَهْبِ حَرِيمِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلا لَعْنَةُ اللهِ على اَلظَّاِلمينَ} (١) . وقال أبو الفرج ابن الْجَوْزِيِّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَابِلَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَتَلْتُ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا، وَإِنِّي قَاتِلٌ بِابْنِ بِنْتِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا. وَحَكَى السُدِّي وَكَانَ مِنْ فُضَلَائِهِمْ قَالَ: نَزَلْتُ بِكَرْبَلَاءَ وَمَعِيَ طَعَامٌ لِلتِّجَارَةِ، فَنَزَلْنَا عَلَى رَجُلٍ فتعشينا عِنْدَهُ، وَتَذَاكَرْنَا قَتْلَ الْحُسَيْنِ وَقُلْنَا: مَا شَرَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ إِلَّا وَمَاتَ أَقْبَحَ مَوْتَةٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا أَكْذَبَكُمْ، أَنَا شَرَكْتُ فِي دَمِهِ وَكُنْتُ مِمَّنْ قَتَلَهُ فَمَا أَصَابَنِي شَيْءٌ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إذا أنا بصائح. قلنا مالخبر؟ قَالُوا قَامَ الرَّجُلُ يُصْلِحُ الْمِصْبَاحَ فَاحْتَرَقَتْ إِصْبَعُهُ، ثُمَّ دَبَّ الْحَرِيقُ فِي جَسَدِهِ فَاحْتَرَقَ. قَالَ السُّدِّيُّ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ وَهُوَ حُمَمَةٌ سَوْدَاءُ. وَقَدْ سَأَلَ مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ. قُلْتُ: وَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: نَهَبَ الْمَدِينَةَ. وَقَالَ لَهُ صَالِحٌ وَلَدُهُ يَوْمًا: إِنَّ قومنا يَنْسُبُونَنَا إِلَى تَوَلِّي يَزِيدَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ وَهَلْ يَتَوَلَّى يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ فَقَالَ: لِمَ لَا تَلْعَنُهُ. فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ لُعِنَ يَزِيدُ؟ فَقَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {َفهلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمُ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أَوْلئِكَ الَّذينَ لَعَنَهُمْ اللهُ فأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (٢) ، فَهَلْ يَكُونُ فَسَادٌ أَعْظَمَ مِنَ الْقَتْلِ وَنَهْبِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْيِ أَهْلِهَا؟ وَقَتَلَ جَمْعًا مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ مَنْ يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ سَبْعَمِائَةٍ، وَقَتَلَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ عبدٍ أَوْ حرٍ أَوِ امْرَأَةٍ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَخَاضَ النَّاسُ فِي الدِّمَاءِ حَتَّى

وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْتَلَأَتِ الرَّوْضَةُ وَالْمَسْجِدُ، ثُمَّ ضَرَبَ الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَهَدَمَهَا وَأَحْرَقَهَا.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أن قَاتِلَ الْحُسَيْنِ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ وَقَدْ شُدَّ يَدَاهُ ورجلاه بسلاسل من نار ينكس في النار حَتَّى يَقَعَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، وَلَهُ رِيحٌ يَتَعَوَّذُ أَهْلُ النَّارِ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ شِدَّةِ نَتْنِ رِيحِهِ، وَهُوَ فِيهَا خَالِدٌ وَذَائِقٌ الْعَذَابَ الأليم، كلما


(١) الآية ١٨ من سورة هود.
(٢) الآيتان ٢٢-٢٣ من سورة محمد.

<<  <   >  >>