للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدَّل اللَّهُ لَهُمُ الْجُلُودَ حَتَّى يَذُوقُوا الْعَذَابَ، لَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ سَاعَةً، وَيُسْقَى مِنْ حَمِيمِ جَهَنَّمَ، الْوَيْلُ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ وَغَضَبِي عَلَى مَنْ أَرَاقَ دَمَ أَهْلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَوْلَ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ كَالْقَوْلِ فِي لَعْنَةِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ الْخُلَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَزِيدُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ: خَيْرٌ مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَمِيرِ الْعِرَاقِ، الَّذِي أَظْهَرَ الِانْتِقَامَ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ؛ فَإِنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ. وَخَيْرٌ مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُ أَظْلَمُ مِنْ يَزِيدَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.

وَمَعَ هَذَا فيُقال: غَايَةُ يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَكُونُوا فُسَّاقًا، فَلَعْنَةُ الْفَاسِقِ المعيَّن لَيْسَتْ مَأْمُورًا بِهَا، إِنَّمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِلَعْنَةِ الْأَنْوَاعِ، كقول النبي: ((لعن الله السارق؛ يسرق البيضة فتقطع يَدُهُ)) (١) . وَقَوْلِهِ: ((لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثا أَوْ آوَى مُحْدِثًا)) (٢) . وَقَوْلِهِ ((لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ)) (٣) وَقَوْلِهِ: ((لَعَنَ اللَّهُ المحَلِّلَ والمحَلَّلَ لَهُ)) (٤) ، ((لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها)) (٥) .

وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِأَهْلِ الحرَّة، فَإِنَّهُمْ لَمَّا خَلَعُوهُ وَأَخْرَجُوا نُوَّابَهُ وَعَشِيرَتَهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَطْلُبُ الطَّاعَةَ، فَامْتَنَعُوا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ، وَأَمَرَهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبِيحَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي

عَظُمَ إِنْكَارُ النَّاسِ لَهُ مِنْ فِعْلِ يَزِيدَ. وَلِهَذَا قِيلَ لِأَحْمَدَ: أَتَكْتُبُ الْحَدِيثَ عن يزيد؟ قال: لا ولا كرامة. أو ليس هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ؟

لَكِنْ لَمْ يَقْتُلْ جَمِيعَ الْأَشْرَافِ، وَلَا بَلَغَ عدد القتلى عشرة آلاف، وَلَا وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا إِلَى الرَّوْضَةِ، وَلَا كان القتل في المسجد.


(١) البخاري ج٨ ص١٥٩ ومسلم ج٣ ص ١٣١٤.
(٢) مسلم ج٣ ص ١٥٦٧.
(٣) البخاري ج٧ ص ١٦٩ ومسلم ج٣ ص ١٢١٩.
(٤) سنن أبي داود ج٢ ص ٣٠٧ والترمذي ج٢ ص ٢٩٤.
(٥) سنن أبي داود ج٣ ص٤٤٥.

<<  <   >  >>