للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَذْهَبِهِمْ وَأَئِمَّتِهِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهُ وَأَسَّسُوهُ كَانُوا مُنَافِقِينَ زَنَادِقَةً، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ: مَا عُلِمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، مِنْ مَحَاسِنِ الصَّحَابَةِ وَفَضَائِلِهِمْ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُدفع بنقولٍ بَعْضُهَا مُنْقَطِعٌ، وَبَعْضُهَا محرَّف، وَبَعْضُهَا لَا يَقْدَح فِيمَا عُلم، فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَنَحْنُ قَدْ تيقَّنا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ قَبْلَنَا، وَمَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ مِنْ أَدِلَّةِ الْعَقْلِ، مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أُمُورٌ مَشْكُوكٌ فِيهَا، فكيف إذا علم بطلانها؟!

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ مِنْ أَشَدِّ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ)) .

فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، بَلْ يَذْكُرُ أَحْيَانًا أَشْيَاءً مِنْ كَلَامِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ مِنْهُمْ وَيُوَجِّهُهُ. وَلِهَذَا اتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ مَنِ اتَّهَمَهُ شَوَاهِدَ مِنْ كَلَامِهِ وَسِيرَتِهِ. وَقَدْ يُقال: هُوَ مَعَ الشِّيعَةِ بِوَجْهٍ، وَمَعَ أَصْحَابِ الأشعري بوجه.

وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: ((إِنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) .

فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ ذَنْبٍ أُذنب، فَهَذَا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.

وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَعْدَ تِلْكَ الشُّبْهَةِ، فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ شُبْهَةَ إِبْلِيسَ لَمْ تُوقِعْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا سَمِعَهَا الْآدَمِيُّونَ مِنْهُ حَتَّى يُوقِعَ بَيْنَهُمْ خِلَافًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ مَا زَالَ بَيْنَ بَنِي آدَمَ مِنْ زَمَنِ نُوحٍ، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ قَبْلَ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ بكثير من اختلاف المسلمين.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي مَرَضِهِ كان أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ وأَبْيَنِها. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِهِ: ((ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي)) ثُمَّ قَالَ: ((يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ)) فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ

<<  <   >  >>