للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: ((الْخِلَافُ السَّابِعُ: فِي تَنْصِيصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ فِي الْخِلَافَةِ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قال: ولّيت علينا فظًّا غليظاً)) .

والجواب: أن يُقال: من جَعَل مِثْلِ هَذَا خِلَافًا؟ فَقَدْ كَانَ مِثْلُ هَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ طَعَنَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي إِمَارَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَبَعْضُهُمْ فِي إِمَارَةِ أُسَامَةَ ابْنِهِ. وَقَدْ كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ يَطْعَنُ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلَ لَهَا: كَانَ طَلْحَةُ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِعُمَرَ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ رجعوا عن طعنهم طاعة لله ورسوله.

وَقَوْلُهُ: ((الْخِلَافُ الثَّامِنُ: فِي إِمْرَةِ الشُّورَى، وَاتَّفَقُوا بعد الاختلاف على إمامة عُثْمَانَ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَلَكِنْ بَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، وَأَنَّهُ شَاوَرَ حَتَّى الْعَذَارَى فِي

خُدُورِهِنَّ. وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ أَحَدٍ كَرَاهَةٌ، لَمْ يَنْقل - أَوْ قَالَ - أحدٌ شَيْئًا وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا.

فَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَجْرِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَالْأَمْرُ الَّذِي يَتَشَاوَرُ فِيهِ النَّاسُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ كَلَامٍ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بذلك بمجرد الحزر.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَوَقَعَتِ اخْتِلَافَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: رَدُّهُ الحَكَم بْنَ أُمَيَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ طَرَدَهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يُسمَّى طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَشْفَعُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيَّامَ خِلَافَتِهِمَا، فَمَا أَجَابَاهُ إِلَى ذَلِكَ، وَنَفَاهُ عُمَرُ مِنْ مُقَامِهِ بِالْيَمَنِ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا)) .

فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا إِنْ جَعْلَهُ اخْتِلَافًا جُعِلَ كُلَّمَا حَكَمَ خَلِيفَةٌ بِحُكْمٍ وَنَازَعَهُ فِيهِ قَوْمٌ اخْتِلَافًا. وَقَدْ كَانَ ذِكْرُكَ لِمَا اختلفوا فيه من المواريث وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَصَحَّ وَأَنْفَعَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ مَنْقُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِذِكْرِهِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِيهِ. وَهُوَ خِلَافٌ فِي أَمْرٍ كُلِّيٍّ يَصْلُحُ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمُنَاظَرَةُ.

وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمُورُ فَغَايَتُهَا جُزْئِيَّةٌ، وَلَا تُجعل مَسَائِلَ خِلَافٍ يَتَنَاظَرُ فِيهَا النَّاسُ.

هَذَا مَعَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ كَذِبًا كَثِيرًا، مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ الحَكَم، وَأَنَّهُ طَرَدَهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يُسَمَّى طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ اسْتَشْفَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيَّامَ خِلَافَتِهِمَا فَمَا أَجَابَاهُ

<<  <   >  >>