للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ عُمَرَ نَفَاهُ مِنْ مُقَامِهِ بِالْيَمَنِ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا. فَمَنِ الَّذِي نَقَلَ ذَلِكَ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ؟ وَمَتَى ذَهَبَ هَذَا إِلَى الْيَمَنِ؟ وَمَا الْمُوجِبُ لِنَفْيِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَقَدْ أقرَّه النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَدْعُونَهُ بِالطَّائِفِ، وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ من اليمن؟ فإذا كان رسول الله أَقَرَّهُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَمَا الْمُوجِبُ لِنَفْيِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إِلَى الْيَمَنِ؟

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَفْيَ الحَكَم بَاطِلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْفِهِ إِلَى الطَّائِفِ، بَلْ هُوَ ذَهَبَ بِنَفْسِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَفَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا إسنادا صحيحاً بكيفية القصة وسببها.

وَقَوْلُهُ: ((وَمِنْهَا نَفْيُهُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وتزويجه ابنته مروان بن الحكم، وَتَسْلِيمُهُ خُمُسَ غَنَائِمَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَدْ بَلَغَتْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ)) .

فَيُقَالُ: أَمَّا قِصَّةُ أَبِي ذَرٍّ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ مَرْوَانَ ابْنَتَهُ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُجْعَلُ اخْتِلَافًا؟ وأما إعطاؤه خمس غنائم أفريقية. فمن الذي نقل هذا، وتقدم قوله: أَعْطَاهُ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ خُمُسَ أفريقية لم يبلغ ذلك.

وَقَوْلُهُ: وَمِنْهَا إِيوَاؤُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بَعْدَ أَنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ، وَتَوْلِيَتُهُ مِصْرَ.

فَالْجَوَابُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مهدر الدم حتى ولاه عثمان، كما يُفْهَمُ مِنَ الْكَلَامِ. فَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيرَتِهِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ فِي عَامِ فَتْحِ مَكَّةَ، بَعْدَ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَرَ دَمَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، أَتَى عُثْمَانُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَايَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مُرَاجَعَةِ عُثْمَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَحَقَنَ دَمَهُ، وَصَارَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْصُومِينَ، لَهُ ما لهم، وعليه ما عليهم.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((كَانَ عَامِلُ جُنُودِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلَ الشَّامِ، وَعَامِلُ الْكُوفَةِ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَبَعْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ)) .

فَيُقَالُ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَوَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مَكَانَهُ، ثُمَّ وَلَّاهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّامَ كُلَّهُ، وكانت سيرته فِي أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَحْسَنِ السِّيَرِ، وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مَحَبَّةً لَهُ.

<<  <   >  >>