يسأل الله العباد فيم استعملوها.
فِي هذا زجر عن النظر إلى ما لا يحل، والاستماع إلى ما يحرم، وإرادة ما لا يجوز.
قوله: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: ٣٧] المرح شدة الفرح، قال ابن عباس: يريد بالكبرياء والعظمة.
وقال الزجاج: ولا تمش فِي الأرض مختالا فخورا.
{إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: ٣٧] الخرق الشق، يقال: خرق ثوبه إذا شقه.
قال ابن عباس: لن تخرق الأرض بكبرك ومشيك عليها.
{وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: ٣٧] بعظمتك وإنما أنت مخلوق عبد ذليل، والمعنى: أنك لا تقدر أن تثقب الأرض حتى تبلغ آخرها، ولا أن تطول الجبال، فلا تستحق الكبر والبذخ، {كُلُّ ذَلِكَ} [الإسراء: ٣٨] إشارة إلى جميع ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه، كان سيئه قرئ بالإضافة والتنوين، قال الزجاج: والإضافة أحسن، لأن فيما تقدم من الآيات سيئا وحسنا، سيئه هو المكروه، ويقوى ذلك التذكير فِي المكروه.
ومن قرأ بالتنوين جعل كلا إحاطة بالمنهي عنه دون الحسن، المعنى: كل ما نهى الله عنه كان سيئه فكان مكروها، والمكروه على هذه القراءة بدل من السيئة، وليس بنعت.
قوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ٣٩] {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ} [الإسراء: ٣٩] يعني ما تقدم ذكره من الفرائض والسنن، من الحكمة من القرآن ومواعظه، {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الإسراء: ٣٩] هذا خطاب لكل واحد من المؤمنين، كأنه قال: ولا تجعل أيها الإنسان.
ثم خاطب المشركين الذين زعموا أن الملائكة بنات الله منكرا عليهم، فقال: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا {٤٠} وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا نُفُورًا {٤١} قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا {٤٢} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا {٤٣} تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {٤٤} } [الإسراء: ٤٠-٤٤] {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} [الإسراء: ٤٠] يقال: أصفاه بالشيء إذا آثره به.
قال أبو عبيدة: أفأصفاكم خصكم.
وقال المفضل: أخلصكم.
وهذا توبيخ للكفار، يقال: اختار لكم ربكم البنين دونه، وجعل البنات مشتركة بينه وبينكم، فاختصكم بالأجل، وجعل لنفسه الأدون؟ إنكم لتقولون بهذا الزعم الباطل، قولا عظيما يعظم خطؤه وإثمه.
قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ} [الإسراء: ٤١] أي: صرفنا ضروب القول فِيهِ من الأمثال وغيرها مما يوجب الاعتبار به، ومعنى التصريف ههنا التبيين، لأنه إنما يصرف القول ليبين، وقوله: {لِيَذَّكَّرُوا} [الإسراء: ٤١] ليتعظوا، ويتدبروه بعقولهم، ويتفكروا فِيهِ، وقراءة حمزة بالتخفيف بهذا المعنى كقوله: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} [البقرة: ٦٣] وقوله: {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا نُفُورًا} [الإسراء: ٤١] قال ابن عباس: ينفرون من الحق، ويتعبون الباطل.