وقوله:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ}[الجاثية: ١٣] من شمس وقمر، ونجوم ومطر، وثلج وبرد، وماء، {وَمَا فِي الأَرْضِ}[الجاثية: ١٣] من دابة، وشجر، ونبات، وثمار، وأنهار ومعنى تسخيره لها هو: أنه خلقها لانتفاعنا بها، فهو مسخر لنا، من حيث إنا ننتفع به على الوجه الذي نريده، وقوله تعالى: جميعًا منه قال ابن عباس: كل ذلك رحمة منه لكم.
وقال في رواية عكرمة: منه النور، ومنه الشمس، ومنه القمر.
وقال الزجاج: كل ذلك تفضل منه، وإحسان.
ويحسن الوقف على قوله: جميعًا ثم يقول: منه أي: ذلك التسخير منه لا من غيره، فهو فضله وإحسانه، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الجاثية: ١٣] في صنع الله وإحسانه، فيوحدونه.
{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {١٤} مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ {١٥} } [الجاثية: ١٤-١٥] قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا}[الجاثية: ١٤] الآية نزلت في عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: شتمه رجل بمكة، فهم أن يبطش به عمر، فأمره الله بالعفو، والتجاوز.
والمعنى: قل للذين آمنوا: اغفروا، ولكنه شبهه بالشرط والجزاء، كقوله:{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ}[إبراهيم: ٣١] وقد مر، وقوله تعالى:{لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}[الجاثية: ١٤] قال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب الأمم الخالية، وذلك أنهم لا يؤمنون به، فلا يخافون عقابه.
وذكرنا تفسير أيام الله عند قوله:{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}[إبراهيم: ٥] وهذه الآية منسوخة بآية القتال، وقوله:{لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الجاثية: ١٤] أي: ليجزي الله الكفار بما عملوا من